فيسبوك تويتر لينكدإن بينتيريست البريد الإلكتروني انتقل التطرف في مالي إلى المنطقة الوسطى،حيث تستفيد جماعة واحدة من التوترات العرقية والثقافية أسرة إيه دي اف كانت مالي مرجلاً للعنف منذ أوائل عام 2012، عندما فرض تمرد الطوارق والانقلاب العسكري على الأمة حالة من الفوضى المستمرة. وأدت الاضطرابات التي بدأت في الشمال إلى تدخل القوات الفرنسية والتشادية، فضلا عن عملية ضخمة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة لا تزال مستمرة حتى اليوم. وعكست هذه القوات أو أوقفت تقدم المتمردين نحو المدن الرئيسية ونحو العاصمة باماكو. مع ذلك، ومنذ عام 2015، اشتد العنف وانتقل مركز ثقله إلى وسط مالي، وبشكل رئيسي في منطقتي موبتي وسيغو. وتؤكد ورقة بحثية كتبتها الباحثة بولين لو رو لمركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية تحت عنوان “مواجهة التهديد المتطرف في وسط مالي”، أن وسط مالي أصبح الآن المنطقة الأكثر خطورة في البلاد. الأرقام مذهلة: قتل أكثر من 500 مدني في المنطقة في عام 2018. تشرد أكثر من 60 ألف شخص بسبب العنف. يحتاج أكثر من 972 ألف شخص إلى المساعدة الإنسانية في منطقة موبتي وحدها. حوّل المهاجمون المنازل إلى رماد وأنقاض في قرية الدوغونالمسماة سوباني دا، مالي، في حزيران/يونيو 2019. رويترز لا تزال عدة جماعات مسلحة نشطة في مالي حتى بعد سنوات من الجهود الأمنية. ظهرت بعض الجماعات الجديدة، وتغيرت جماعات أخرى واندمجت مع بضعها البعض. فعلى سبيل المثال، فإن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين هي تحالف مكون من خمس جماعات، بما في ذلك جماعة أنصار الدين والمرابطون. ولكن يتميز أحد أعضاء هذا التحالف عن غيره، وهو لاعب جديد نسبياً في مالي. فخلافا للجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة، استفادت هذه الجماعة من الصراعات المحلية عن طريق استغلال التوترات العرقية. جبهة تحرير ماسينا — المعروفة أيضا باسم كتيبة ماسينا — هي الآن الجماعة الأكثر فتكا ونشاطا في المنطقة. وتوضح ورقة لو رو أن جبهة تحرير ماسينا شاركت في حوالي ثلثي كافة حوادث العنف التي وقعت في وسط مالي، وفي ثلث أحداث العنف التي وقعت على الصعيد الوطني. وترجع جذور رسالة جبهة تحرير ماسينا إلى مزيج من تاريخ وسط مالي، والمشهد العنيف المعاصر في المنطقة، والتوترات العرقية الكامنة وراءها. نهوض جبهة تحرير ماسينا نشأت حركة تحرير ماسينا في أوائل عام 2015 وادعت أنها تريد إعادة إقامة إمبراطورية ماسينا، وهي دولة دينية جامدة معظمها من الفولانيين حكمت المنطقة من سيغو في الجنوب إلى تمبكتو في الشمال خلال الفترة من 1818 إلى 1863. وكتبت لو رو، “لقد اعتمدت جبهة تحرير ماسينا على روايات حول هذه الإمبراطورية التاريخية لكسب التأييد الشعبي، ولكن الهدف الشامل لها كان يتمثل في الاستيلاء على الأراضي في وسط مالي وتولي السلطة هناك بدل الدولة في مالي”. كما يدل عليه اسمها، تركز جبهة تحرير ماسينا على تجنيد أفراد من السكان الرعويين من مجموعة الفولاني العرقية لكنها لا تقتصر عليها. ومع بدء الجهود العسكرية الرامية إلى إخراج المتشددين من الشمال في عام 2013، انتقل العديد من أفراد الجبهة إلى الجزء الأوسط من البلاد. ومع تصاعد العنف هناك، تراجعت الدولة، مما سمح للجبهة بالنمو والتوسع، وفقًا لمقال نُشر في نيسان/أبريل 2019 على موقع بروكر للباحثين ناتاسيا روبسينغي ومورتن بوس. عندما انشئت الجبهة، كانت متحالفة بشكل وثيق مع جماعة الطوارق أنصار الدين وزعيمها إياد أج غالي. تزعم جبهة تحرير ماسينا، أمادو كوفا، الواعظ الفولاني من موبتي الذي بدأ حياته كعازف، أو شاعر تقليدي، ولكنه تحول في وقت لاحق إلى التطرف. في عام 2012، انضم إلى جماعة أنصار الدين، وفي كانون الثاني/يناير 2013 قاد هجوماً على مدينة كونا شمل جماعة الطوارق وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، وذلك بحسب ما كتبت لو رو. (يُعتقد أن كوفا قد قُتل على يد القوات الفرنسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2018.) واصل كوفا العمل مع جماعات مسلحة أخرى مثل جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا والمرابطون. ولم تقم الجبهة بشن هجماتها الأولى إلا في أوائل عام 2015، والتي كانت ضد أهداف عسكرية في قرى بولكسي ونامبالا وتينينكو. ووفقا لما أوردته الكاتبة لو رو، قامت جبهة تحرير ماسينا بعد ذلك بسلسلة من الهجمات البارزة: في آب/أغسطس 2015، هاجمت الجماعة فندق بيبلوس في سيفاري مما أسفر عن مقتل 13 شخصا. وكان من بينهم أربعة جنود ماليين وخمسة متعاقدين تابعين لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2015، أعلنت جبهة تحرير ماسينا مسؤوليتها عن الهجوم الدموي على فندق راديسون بلو في باماكو الذي أودى بحياة 22 شخصا. وأعلنت جماعة المرابطون أيضا مسؤليتها عن هذا الهجوم. كما هاجمت المجموعة المتمردة مقر قيادة القوة المشتركة لبلدان المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل في سيفاريه باستخدام مزيج من السيارات المفخخة والأجهزة المتفجرة المرتجلة والهجمات الانتحارية في حزيران/يونيه 2018. ودفع الهجوم بالسلطات إلى نقل مقر القوة إلى عاصمة مالي، باماكو. وكتبت لو رو، “بشكل إجمالي، من المرجح أن تكون جبهة تحرير ماسينا مسؤولة بشكل مباشر عن وفاة المئات من الأفراد العسكريين الماليين”. ويمكن أن يتراوح عدد أفرادها بين عدة مئات وعدة آلاف من، لا سيما إذا كان العدد يشمل المخبرين ومن يقدمون دعما آخر للجبهة. وتسيطر الجماعة على عدة قرى في وسط مالي. “غادر أو مت” قامت جماعة كوفا ببناء قاعدة لها في القرى التي تسيطر عليها من خلال الإكراه والخوف. يوضح تقرير صادر في تشرين الثاني/نوفمبر 2018 عن الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان ورابطة حقوق الإنسان في مالي أن جبهة تحرير ماسينا ليست مثل معظم الجماعات المتمردة المسلحة. ويقول التقرير، “إنها ثورة اجتماعية في المقام الأول تتكون بشكل خاص من رعاة الفلاني الرحل، أو تريد أن نسقط نظاماً مفترساً راسخاً، ويحفزها واعظ مؤُثر من المنطقة”. بدءًا من عام 2015، قامت جبهة تحرير ماسينا بإعدام واختطاف مسؤولي الدولة، بما في ذلك مسؤولي الدفاع، وموظفي المياه والغابات، ومسؤولي البلديات، والقضاة، والمعلمين وأي شخص يعتبر متعاونًا مع الحكومة. والغرض من هذه العمليات هو انسحاب موظفي الدولة كي تتمكن الجبهة من تولي المهام الأمنية والقضائية والتعليمية والاقتصادية. بحلول نهاية العام الدراسي 2018، كان قد تم إغلاق 478 مدرسة في موبتي وسيغو، بما في ذلك أكثر من ثلثي جميع مدارس موبتي. ومع خروج السلطات العسكرية والحكومية من القرى الواقعة في وسط مالي، فإن جبهة تحرير ماسينا تظل بلا معارض فيما يتعلق بقدرتها على تطبيق الشريعة الإسلامية، وتسوية النزاعات على الأراضي، ومعالجة النزاعات الجنائية والاجتماعية، وإدارة الموارد، وفرض الضرائب التي تسمى الزكاة. ويفيد التقرير بأن المجموعة تسن قوانين دينية صارمة وتعطي من يعارضونها خياراً بسيطاً: “غادر أو مت” وقال أحد الشهود للمحققين، “يصلون إلى قرية ما ثم يجمعون الجميع في المسجد ويقولون لهم ما سيفعلونه”. “يمهلون القرية إسبوعا لإتباع أوامرهم. يمكن لأولئك الذين لا يريدون اتباع أوامرهم المغادرة. لكن يتم إعدام أولئك الذين لا يمتثلون لأوامرهم. لقد قتلوا ثلاثة رجال في قريتي كانوا يتعاونون مع السلطات وفعلوا الشيء نفسه في العديد من القرى الأخرى في المنطقة”. الصراعات العرقية تؤجج القتال أدت تشكيلة أعضاء جبهة تحرير ماسينا التي يغلب عليها الفولانيون إلى اندلاع أعمال عنف طائفي في وسط مالي، مما عقّد المشهد الخطير أصلا. وقد جندت كل من جبهة تحرير ماسينا وجماعة نصرة الاسلام والمسلمين عددا كبيرا من الرعاة من الفولانيين. للكثير من العنف حاليا نكهة عرقية وثقافية تقاتل فيها مجموعة الفولانيين العرقية ضد مجموعتي بامبارا ودوغون العرقيتين، وكلاهما يتألف في الغالب من المزارعين. منذ عام 2017، قتلت ميليشيات بامبارا ودوغون، التي تدعي أن أهدافها هي مقاتلة الجهاديين، المئات من الفولانيين، بما في ذلك النساء والأطفال، مما أدى إلى عمليات قتل انتقامية من قبل الفولانيين، وفقًا لمقال نُشر في مجلة الإيكونوميست في 3 تموز/يوليو 2019. زكان ينطر إلى الجيش المالي على أنه جيش يحابي شعبي دوغون وبامبارا، وهو الأمر الذي أدى إلى تأجيج الصراع. التعقيدات التي تنطوي عليها التحديات الأمنية التي تواجه وسط مالي ترجع إلى عدة سنوات، إن لم يكن إلى فترة أطول. تسبب التمرد الشمالي في عام 2012 في قيام السلطات الوطنية بالتركيز على الشمال، مما ترك وسط البلاد عرضة للتوترات العرقية المتأججة. انضم بعض الفولانيين إلى جماعات مثل أنصار الدين، وعندما بدأوا في العودة إلى ديارهم بعد تدخل الفرنسيين في عام 2013، تبعهم الجيش وقام باضطهادهم، وفقًا لتقرير الجزيرة الصادر في حزيران/يونيو 2019. وفي هذه المرحلة نال إنشاء جبهة تحرير ماسينا استحسان الفولانيين الذين شجبوا ما اعتبروه اضطهادا وفسادا من قبل الحكومة. وأفادت مجلة الإيكونوميست أن القوات الحكومية انضمت إلى ميليشيات دوغون وبامبارا في دوريات ومنحتها معاملة خاصة عند نقاط التفتيش، وهي خطوة تزيد من تأجيج التوترات مع الفولانيين. وكان هذا السخط سبباً في تغذية هجمات جبهة تحرير ماسينا على المواقع العسكرية والحكومية، وسردها الذي يدعو إلى إعادة ترسيخ الحكم الإسلامي على غرار إمبراطورية ماسينا. مع ذلك، رأت مجتمعات دوجون وبامبارا أن قيام الفولانيين بهذه الخطوة تشكل تهديدًا محتملًا وبدأوا في التحضير لحماية أنفسهم بأنفسهم، كما ذكرت الجزيرة. وفي عام 2016، شكل شعب دوغون مليشيا “دان نا أمباساجو” وهي واحدة من العديد من ميليشيات دوغون العرقية، لمكافحة التهديد المتصور من قبل الفولانيين، الذين ردوا بالمثل بميليشياتهم الخاصة. أحرق المهاجمون المنازل وقتلوا الحيوانات، وقتلوا أكثر من 100 من الدوغون بتاريخ 9 حزيران /يونيو 2019، في الهجوم على قرية سوباني دا في وسط مالي. رويترز وكتبت لو رو أن عدد الفولانيين من سكان مالي البالغ عددهم 3 ملايين الذين انضموا إلى جبهة تحرير ماسينا غير معروف. ولكن يبدو أن الجاذبية التي تتمتع بها الجماعة في التعامل مع الفولانيين كانت سبباً في تأجيج التوترات التي طال أمدها بين مجتمعات الفولانيين والدوغون. في الآونة الأخيرة، تفجرت تلك التوترات وتحولت إلى هجمات كبيرة دمرت القرى وادت إلى مقتل المئات. في 9 حزيران/يونيو 2019، تم مهاجمة قرية سوباني دا، وهي قرية دوغون بالقرب من مدينة سانغا في منطقة موبتي، مما أسفر عن مقتل حوالي 100 شخص — ثلث سكان القرية، وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية. وقال احد الناجين، أمادو توغو، لوكالة الأنباء الفرنسية: “وصل حوالي 50 رجلا مدججين بالسلاح على دراجات نارية وسيارات بيك آب”. “قاموا اولاً بمحاصرة القرية ثم هاجموها، وقتل أي شخص حاول الهرب. لم يتم رحمة أحد، لا النساء ولا الأطفال ولا المسنين”. لم تعلن أي مجموعة مسؤوليتها عن الهجوم على الفور، ولكنه جاء بعد هجوم تم في أذار/مارس 2019 قتل فيه مسلحون يرتدون ملابس دوغون التقليدية أكثر من 130 قروي فولاني في نفس المنطقة، كما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية. منذ صعود جبهة تحرير ماسينا في عام 2015، تم اتهام المجموعة باستهداف الدوغون، خاصة ردا على الهجمات على الفولانيين، كما كتبت لو رو. ربما عانى الفولانيون من أكبر عدد من الوفيات في هذه الهجمات. في عام 2017، بدأت مالي عملية دامبي لوقف الإرهاب، واستعادة السيطرة العسكرية والحكومية، والمساعدة في إعادة بناء الحياة الاجتماعية والاقتصادية. ومع ذلك، أفاد الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان أن الجيش أعدم 67 شخصًا خلال ست عمليات في ست قرى في عام 2018 خلال عملية دامبي. وأطلق عليها التقرير اسم“قافلة الموت” التي أسفرت عن ست مقابر جماعية. وتعرض بعض المحتجزين للتعذيب ولكن لم يتم قتلهم. وأسفرت هذه الأعمال عن وصم الفولانيين بالإرهاب، وفقدان شرعية الدولة، وفقدان ثقة السكان المحليين بالدولة. ويقول التقرير،“من خلال مضاعفة الانتهاكات، دفعت عناصر القوات المسلحة المالية العديد من الناس للانضمام إلى صفوف الجهاديين أو الميليشيات المجتمعية لضمان قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم وأمنهم”. سبل المضي قدماً وبالإضافة إلى جهود الحكومة لمكافحة الإرهاب مثل عملية دامبي وعمل بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعدة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، والقوة المشتركة لبلدان المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، سيلزم عمل المزيد لإعادة السلام إلى وسط مالي. في أواخر عام 2018، أطلقت مالي خطة لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج للجماعات في وسط مالي التي تستهدف المقاتلين الشباب هناك. كتبت لو رو أنه سيتعين على مالي زيادة الرقابة بشأن كيفية تفاعل الجيش مع السكان المحليين. يجب التحقيق بشكل كامل في ادعاءات سوء المعاملة على أيدي قوات الأمن ومعالجتها علنًا لاستعادة ثقة الجمهور. توفير الأمن وحده لا يكفي. ويجب أيضاً إعطاء الأولوية لإعادة الخدمات العامة وتوفير التعليم للشباب. وأخيراً، كتبت لو رو، بانه سيتعين على المسؤولين الرد على رسائل جبهة تحرير ماسينا من خلال القنوات الشخصية والإذاعية وقنوات التواصل الاجتماعي. ويتفق الباحثان روبسينغ وبوس مع هذا الطرح. من “الأهمية بمكان استعادة الثقة بين المجتمعات المحلية والدولة في وسط مالي: وهذا يعني تزويد جميع الفئات الضعيفة بالضمانات الأمنية، وحمايتهم من الهجمات، وضمان شفافية العدالة، ومساءلة الضحايا. كما سيتعين أن تتضمن الاستراتيجية تدابير لأجل أطول، مثل ضمان الحصول على الخدمات الأساسية، والعدالة المنصفة، والتنمية، والتعليم. ويجب أن يحتل منع نشوب الصراعات مركز الصدارة”.