فيسبوك تويتر لينكدإن بينتيريست البريد الإلكتروني تدخّل تشاد في شمالي مالي يقدم دروساً في العزيمة والتضحية. أسرة أيه دي إف غادر رتل من نحو 100 عربة تشادية خفيفة، معظمها تويوتا لاند كروزر، العاصمة التشادية نجامينا يوم 20 كانون الثاني/ يناير، 2013. التفّت القافلة حول حوض بحيرة تشاد قبل أن تصل إلى الحدود مع النيجر. وقبلها بأيام، نقل جسر جوي نحو 200 عربة مدرعة، من بينها 90 عربة مدرعة إيلاند، و17 دبابة BMP، إلى نيامي عاصمة النيجر. وعند نقطة عبور الحدود إلى النيجر، أوقف العميد عبد الرحمن يوسف ميري، قائد مجموعة النخبة الخاصة لمكافحة الإرهاب، القافلة وجمع ضباطه حوله. الفريق أول عمر بيكيمو، يجلس على اليمين، يتناقش مع الضباط حول الاستراتيجية خارج ميناكا في شرقي مالي فيما يستعدون للتحرك شمالاً نحو كيدال.الجيش التشادي للتدخل في مالي وجه ارشادات لرجاله بقوله، “إننا نتحرك الآن خارج حدودنا. سوف نساعد السكان، إخواننا الأفارقة، لذلك علينا أن نحترم قوانين ولوائح هذه الدول الأجنبية ونحترم حقوق الإنسان. تذكروا أننا ذاهبون إلى هناك لنجلب السلام إلى جيراننا”. كانت المهمة طموحة. فقبل أربعة أيام، صوتت الجمعية الوطنية التشادية بالإجماع على تأييد عمل عسكري في مالي. ورغم أن تشاد تملك وسائل متواضعة ولا تتقاسم الحدود مع مالي، فإن البلاد بحثت في مواردها الخاصة ودفعت 121 مليون دولار لإرسال 2000 من جنودها للانضمام إلى القتال. كانت هذه، وفقاً للرئيس إدريس ديبي إتنو، “قضية عادلة” و “واجباً” بالنسبة لتشاد. قال ديبي في 16 كانون الثاني/ يناير 2013، “إنه ينبغي على الأفارقة أن يفهموا أن لديهم دوراً يلعبونه حين يتعلق الأمر بالاستقرار والسلام في القارة. لقد حان الوقت بالنسبة للأفارقة ليضعوا أنفسهم في مركز الصدارة”. لم يعد هناك وقت يُذكر لتبديده. فقد استولت الجماعات المتحالفة مع تنظيم القاعدة على أكثر من ثلثي مالي. وفي اندفاعهم جنوباً، استولوا على بلدة كونا ذات الأهمية الاستراتيجية وبدا أنهم في طريقهم إلى العاصمة باماكو. وفي حركة تنم عن غطرسة متناهية، أصدر عبد المالك دروكدال، أمير القاعدة في المغرب الإسلامي، بياناً من 10 صفحات لمقاتليه يحدد فيه الخطوط العريضة لما سيكون عليه شكل الدولة التي ستحكمها القاعدة لعقود قادمة. وبدأ المقاتلون الإسلاميون تطبيق عقوبات قاسية في العديد من المدن التي يحكمونها، بما في ذلك الجلد العام. وقد فر أكثر من 250000 مواطن مالي من البلاد. ثعالب الصحراء واصلت قافلة ميري طريقها، فقطعت أكثر من 1500 كيلومتر في ثلاثة أيام رغم أنها توقفت كثيراً لتحية الشخصيات المحلية البارزة في القرى النيجيرية. ومعروف عن التشاديين قدرتهم على عبور مساحات شاسعة في وقت قصير. وهذا ضروري في دولة تبلغ مساحتها نحو 1,3 مليون كيلومتر مربع، فيما تنتشر المراكز السكانية على مساحات متباعدة. وفي الحروب ضد ليبيا في ثمانينات القرن العشرين، أصبح الجيش التشادي يُعرف بأسلوب هجماته الخاطفة التي سمحت له بمفاجأة الليبيين المدججين بالسلاح والتفوق عليهم. وأطلق الفرنسيون عليه إسم “rezzou TGV” نسبة إلى تكتيكات الإغارة القديمة التي كان يستخدمها بدو الصحراء وتسمى رازيا، أما الحروف TGV، فهي اختصار لعبارة فرنسية تعني القطار الذي يسير بسرعة البرق. كتب الباحث العسكري جيرود ماغرين يقول، “إنهم يتصفون بالإقدام، والكفاءة وجمال (عمائمهم ونظاراتهم الشمسية). إنهم يقودون الهجمات برتل من عربات التيوتا المجهزة عسكرياً والتي يقودونها بأقصى سرعة”. كان التشاديون يعرفون أنهم مؤهلون بشكل فريد للقتال في جبال مالي. والسمة البارزة في شمالي تشاد هي سلسلة جبال تيبستي البركانية، وهى واحدة من أكثر الأماكن المقفرة في العالم ونقطة جذب للإرهابيين والمهربين. وفي عام 2004 عندما أقامت الجماعة السلفية المتطرفة للدعوة والقتال قاعدة لها في جبال تيبستي، كان الجيش التشادي هو الذي طردها واعتقل قائداً كبيراً منها. صورة الفريق أول محمد ديبي خلال مؤتمر صحفي بالقرب من أدرار دى إيفوغاس في شمالي مالي في آذار/ مارس 2013. قال الفريق أول محمد ديبي، إبن رئيس تشاد والقائد الثاني للقوات المسلحة التشادية في مالي، “إن مالي مثل تشاد تقريباً – إنها نفس البيئة تقريباً. فلدينا [جبال] تيبستي في تشاد – والجنود متمرسون فيها. وهم مدربون على العمل في أي تضاريس – الصحراء، الجبال، الغابات. إنها لا تمثل أي فرق بالنسبة لنا”. رحلة طولها 3000 كيلومتر بحلول 25 كانون الثاني/ يناير، عبر جيش التدخل التشادي المعروف باسم الجيش التشادي للتدخل في مالي، الحدود المالية واتجه نحو ميناكا، وهي بلدة من البيوت المبنية بالطوب اللبن تقع على بعد نحو 100 كيلومتر من الحدود. تقدمت القافلة العملاقة ببطء، مع انفصال الوحدات عن بعضها البعض مسافة تتراواح بين 5 و 6 كيلومترات. قال ميري، “لقد أرسلنا الكشافة قبلنا وانقسمنا إلى ثلاثة أرتال. وكانت فكرتنا أنه أثناء قيادتنا، يمكن أن يخرج الإرهابيون علينا في أي وقت. لم نشأ القيام بأي مجازفات”. وصلنا إلى ميناكا عند الغسق وطوقنا القرية لسد جميع منافذ الدخول والخروج. وفي الصباح التالي، ذهب الضباط التشاديون للقاء شيوخ القرية. وجدوا أن المحتلين السابقين، وهي جماعة حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، قد فرت ولكنها خلّفت وراءها أدلة على عهدها الذي استمر ثلاثة أشهر. كانت هناك رايات سوداء تتدلى من الجدران ولوحات خام للسيوف على بوابات القرية. كانت المدارس وأكشاك السوق موصدة ومغلقة. ولدى رؤية الجنود المقبلين، تسلق الأطفال المتحمسون الأسطح وهم يهتفون وبدأوا في تمزيق الرايات السوداء. قال الفريق أول عمر بيكيمو، قائد الجيش التشادي للتدخل في مالي الذي يتمتع بخبرة عسكرية أكثر من 30 عاماً وقاد قوة حفظ سلام متعددة الجنسيات في جمهورية إفريقيا الوسطى، “إنهم صرخوا من أجل الحرية. كان هذا بالنسبة لهم بمثابة نهضة، إذا صح التعبير”. تجمع وفد من شيوخ القرية تحت رقعة من أشجار السنط، وعرضوا قطيعاً من الماعز لإطعام الجنود الزائرين. كانت الهدية، وسط الظروف الشاقة، تساوى أكثر من مليون فرنك بعملة إفريقيا الوسطى. قال ميري، “قالوا، ‘سيكون لدينا وليمة’. فقلت ‘لا إن عددنا كبير، ومعنا طعامنا الخاص. إننا هنا لنساعدكم، وليس لنتلقى مساعدتكم’”. روى سكان القرية أنهم تحت سيطرة جماعة حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، لم يكونوا قادرين على تدخين السجائر، أو مضغ التبغ أو حتى تناول مكسرات الكولا. وأرغمت محطة الإذاعة المحلية الصغيرة، راديو آدار، على وقف بث الموسيقى والاقتصار على إذاعة خطب الوعظ. وأجبر الرجال على إطلاق لحاهم، وكانت النساء اللاتي يضبطن وهن يتحدثن إلى رجل في العلن ينفذ بهن قصاص الجلد. الجيش التشادي للتدخل في مالي قال أحد شيوخ القرية، “إننا الآن نحاول إعادة تأسيس الحياة الاجتماعية. لقد تعرض السكان لصدمة حقيقية. فقد حُرموا أيضاً من حقوق معينة. واليوم يمكنك أن ترى أن هذه الحقوق قد عادت. فإذا استمعت إلى الإذاعة، وإذا رأيت الشبان وهم يسيرون في الشارع بهواتفهم النقالة، فهذا يخبرك بأن الحرية قد عادت”. لقد بيّن هذا الاستقبال للقوات التشادية أن عدوها قام بانسحاب تكتيكي. أدرك ميري، وبيكيمو، والفريق أول محمد ديبي وبقية القادة التشاديين أن عليهم أن يتقدموا مسافة أكبر نحو الشمال حيث سيكون المقاتلون في انتظارهم. في اليوم التالي، توجهت قوات الجيش التشادي للتدخل في مالي نحو معاقل المتمردين في المنطقة الجبلية على الحدود مع الجزائر، التي تبعد 3000 كيلومتر عن نقطة انطلاقها من تشاد. لم يكن هناك طريق مباشر يؤدي من ميناكا إلى كيدال، العاصمة الإقليمية في شمال شرقي مالي، لذلك سافرت القافلة على الرمال وعبر الأغصان رغم مخاطر الوقوع في كمين. كان إرسال الجهاز العالمي لتحديد المواقع متقطعاً في المنطقة، وأحياناً ما كانت الشاحنات المحملة الثقيلة، التي تحمل في العادة 250 لتراً من الماء أو الوقود، والغذاء ووسائل النوم، والأسلحة وما يصل إلى 10 رجال، تغرس في الرمال. بقي ميري والقادة الآخرون على اتصال منتظم مع مركز العمليات التشادي في نجامينا، الذي كان يرسل إليهم أحدث المعلومات الاستخباراتية. وفي نفس الوقت، كانت القوات الفرنسية العاملة تحت إسم عملية أشابيل تشن غارات بالقنابل على أهداف إرهابية بالقرب من المدن المالية ومن بينها موبتي، وكونا وغاو وكانت تنسق نشاطاتها مع التشاديين. قال ميري، “لم نكن نعرف المنطقة، ولم يكن بصحبتنا مندوب محلي؛ كنا وحدنا. كان لدينا فريق من نحو 15 ضابط اتصال فرنسي. لقد تواصلوا مع [عملية] أشابيل وساعدونا لوجستياً. وبصورة خاصة حين كان هناك جنود مصابون أو مرضى، كانوا يدبرون نقلهم جواً”. وصلت القوات التشادية إلى كيدال بعد ظهر يوم 30 كانون الثاني/ يناير. وفي الليلة السابقة، كانت القوات الفرنسية قد هبطت في المطار بمقاتلاتها النفاثة ومروحياتها. طوقت وحدتان تشاديتان المدينة واحتلتا نقاط الدخول والثكنات العسكرية المهجورة. ودخلت وحدة ثالثة المدينة. في اليوم الأول، بقي كثيرون في كيدال داخل بيوتهم المغلقة خوفاً. وفي هذه البؤرة التجارية التي يبلغ عدد سكانها 25000 نسمة، لم يبق سوى ثلث السكان فقط. ووصفها فريق تصوير زائر “بقرية الأشباح”. كما توترت أعصاب السكان المحليين جراء ثلاثة أيام من قصف سلاح الطيران الفرنسي لتدمير مستودعات المواد اللوجستية ومعسكرات التدريب في المنطقة. جندي تشادي يسير خلال مهمة في شمالي مالي في وادي أميتيتاي كجزء من المجهود التشادي لتحرير المنطقة.الجيش التشادي للتدخل في مالي أدركت قوات الجيش التشادي للتدخل في مالي فوراً أن الوضع مختلف عما كان عليه في ميناكا. فقد كانت كيدال معقل مقاومة للحركة الوطنية لتحرير أزواد، وهي حركة مستقلة يقودها الطوارق. و لعدة شهور كان هناك تحالف هش بين الحركة الوطنية لتحرير أزواد وجماعات متطرفة مختلفة، من بينها أنصار الدين، ومؤسسها السيئ السمعة إياد آغ غالي من أبناء كيدال. وفي نهاية المطاف طردت الحركة الوطنية لتحرير أزواد الجماعات المتطرفة، ولكنها رفضت السماح لأي من أعضاء الجيش المالي بدخول البلدة. قال بيكيمو، “لقد استقبلنا بترحاب، ولكن الفرق في كيدال كان الوجود القريب للإرهابيين. عليك أن تفهم أن قاعدتهم لم تكن بعيدة من هناك. وفي وقت لاحق، [في كيدال] تعرضنا لهجوم انتحاري في وسط السوق. فقدنا أربعة من رجالنا، وأصيب عدد آخر. لهذا السبب أقول كان هناك فرق”. كانت دلائل الصراعات الأخيرة في كل مكان في كيدال. وقد نددت رسومات الطلاء التي رُشّت بها الجدران بكل من حكومة مالي وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. وكانت الراية الانفصالية لإقليم أزواد ترفرف خارج بعض المنازل والمحلات التجارية. وكان كثيرون في البلدة يخشون أيضاً العمليات الانتقامية والاقتتال العرقي، لذلك فإن جزءاً من مسؤولية تشاد كان القيام بدوريات لمنع سفك الدماء بين المدنيين. وتوسط الفرنسيون والتشاديون في اتفاق مع الحركة الوطنية لتحرير أزواد للعمل سوياً في تأمين المنطقة. في تتابع سريع يومي 4 و 6 شباط/ فبراير، تحركت القوات التشادية والفرنسية إلى الشمال لتحرير أجويلهوك وتيساليت، وهما مدينتان تقعان عند سفح جبال أدرار دى إيفوغاس. وفي تيساليت، انتظرت قوات الجيش التشادي للتدخل في مالي عدة أيام بينما كان الفرنسيون يقيمون جسراً جوياً لنقل العتاد الثقيل، مثل الدبابات وأنظمة مدفعية سيزار 155 ميلليمتر المحمولة في شاحنات. داخل أدرار يوم 11 شباط/ فبراير تلقت قوات الجيش التشادي للتدخل في مالي الضوء الأخضر للتقدم نحو المخبأ الجبلي للمتطرفين. ظلت الوحدات التشادية عشرة أيام وهي تجوب الجانب الخارجي لجبال أدرار دى إيفوغاس، متنقلة بمحاذاة الحدود الجزائرية. وقامت بشكل منهجي بإغلاق المحيط الشمالي لضمان عجز المقاتلين عن الفرار عبر الحدود إلى الجزائر. غادرت وحدة أخرى تابعة للجيش التشادي للتدخل في مالي أجويلهوك سائرة على طول الجانب الخارجي لأدرار، والتقت الوحدتان بالقرب من بلدة أبيبيرا الصغيرة إلى الشمال الشرقي من السلسلة الجبلية. كانتا ترسمان خناقاً حول ملاذ تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. قال ميري ، “كنا نريد أن نرى هل هناك أشخاص يعبرون الحدود؟ ومن الذي يدخل، ومن الذي يغادر؟” في صباح 22 شباط/ فبراير، تجمعت القوات التشادية عند الطرف الشرقي من السلسلة الجبلية. كانت القوات الفرنسية قد زودتها بإحداثيات (GPS) لبقع معينة يرجح أن يكون الإرهابيون مختبئين فيها، بما في ذلك الآبار أو المصادر المائية، ولكن التشاديين كانوا يعرفون أن القتال لن يكون سهلاً. لم يكن للقصف الجوي تأثير يُذكر هنا، ولا يمكن العثور على الشبكة المعقدة من الكهوف، والأنفاق والمخابئ التابعة لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، إلا سيراً على الأقدام. أبلغ السكان المحليون جنود الجيش التشادي للتدخل في مالي بأن الحكومة المركزية غائبة عن المنطقة منذ 10 سنوات على الأقل. تقدمت قافلة من مئات القوات التشادية عبر نقطة الدخول الوحيدة إلى الشرق من أدرار، وهي مجرى نهر جاف يُسمى “وادي تيغرغار”. قطعت نحو 30 كيلومتراً في الداخل قبل أن تصل إلى القاعدة اللوجستية لتنظيم القاعدة في المغرب الإٍسلامي، حيث بدا أن المقاتلين كانوا يتوقعون هجوماً من الجبهة الغربية، ولكنهم كانوا مستعدين لمقاتلة التشاديين القادمين من الشرق. قال بيكيمو، “أعتقد أنهم كانوا ينتظرون وصولنا. لا يمكنك القول بأنهم لم يكونوا مستعدين، لأنهم كانوا قد اتخذوا مواقعهم فعلاً. حسناً، هذا يبيّن لك أنهم كانوا في انتظار شيء ما”. استمر القتال من الساعة 10 صباحاً حتى الساعة 5 مساء. كانت معركة حامية الوطيس، حيث أخذ متطرفو تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي يمطرون وابلاً من بنادقهم الكلاشينكوف ويطلقون قنابل ذات دفع صاروخي. وعندما انحسر المقاتلون، كانوا يتراجعون إلى مساكنهم التي تشبه الكهوف، ليعودوا بعدها لتفجير أنفسهم بدلاً من الاستسلام. قال بيكيمو، “لقد حفروا لأنفسهم مواقع فردية حيث لا تتصور وجود مثل هذه المواقع. استخدموا كل ما يملكون من أدوات”. أما التشاديون، الذين أخذوا على حين غرة، فقد ضاعفوا جهودهم. فأخذوا يتسلقون التلال الصخرية لاتخاذ مواقع عالية ويقاتلون متراً متراً و”صخرة صخرة”، إلى أن حوّلوا الموقف لصالحهم في نهاية المطاف. قال بيكيمو عن العدو، “إنهم، بكل إخلاص، لم يكونوا مستعدين لتسليم أنفسهم. أسرنا بعضهم، رغم مقاومتهم، وإلا كانوا قد قتلوا أنفسهم. وكل قادتهم رفضوا الاستسلام”. كانت الخسائر باهظة. وكان من بين القتلى قائد القوات الخاصة التشادية عبد العزيز حسّان آدم، وهو من قدامى المحاربين قاد بعثات حفظ سلام في بوروندي، وساحل العاج وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وإجمالاً، قُتل 26 جندياً تشادياً نتيجة المعركة، وجُرح 53 آخرون. وعلى جانب العدو، بلغ مجموع الضحايا 100 قتيل تقريباً. ومع ذلك، كانت ثمار العملية وفيرة. فقد صادر التشاديون جهاز لاسلكي، ومن ذلك اليوم فصاعداً، باتوا قادرين على الاستماع لدردشة أفراد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. وساعدهم مترجم محلي في تفسير تحركات العدو واستراتيجيته المتغيرة. قبض التشاديون أيضاً على 24 أسيراً وألقت هذه المجموعة بعض الضوء على تنوع المتشددين العاملين في السلسلة الجبلية. من بينهم نيجيريون يتحدثون لغة الهاوسا، وتونسي، ومقاتل من بوركينا فاسو ومقاتل من الصحراء الغربية الذي ربما كان مرتبطاً ذات مرة بحركة استقلال البوليساريو. أما المقاتل التونسي الذي حاول في الآونة الأخيرة قتل التشاديين، فقد قام رجال الإسعاف التشاديون بتضميد جراحه وربط وريده بجهاز تنقيط المحلول. عربة مدرعة تشادية مدمرة بعد أن ارتطمت بلغم أرضي في شمالي مالي. أصيب ركاب العربة في الانفجار ولكنهم بقوا على قيد الحياة. الجيش التشادي للتدخل في كانت المنطقة ملغّمة بشكل كبير بعبوات ناسفة ارتجالية. وخلال الأيام السبعة التالية، فقد التشاديون ثلاث عربات نتيجة انفجار ألغام أرضية، حسب قول ميري، حجم الخسائر كان كارثياً لو لا جهد خبراء إزالة الألغام التشاديين الذين قاموا بشق الأنفس بتطهير المسار، وانتشال الألغام بالمجارف. قام التشاديون في الفترة من 22 شباط/ فبراير إلى 3 آذار/ مارس، بضرب حلقة محكمة حول التشكيل الصخري ماسيف دى تيغارغر، الذي يبلغ أرتفاعه 790 متراً، وتطهير رقعة طولها 70 كيلومتراً من الوادي معروفة باسم وادي أميتيتاي، وهى معقل للإرهابيين. كانت مسؤولية الوحدة طرد المقاتلين من الوادي باتجاه الغرب حيث كانت دبابات وحدة مشاة البحرية الأولى الفرنسية متمركزة. غالباً ما كانت الحركة صعبة مع إحداث الصخور الخشنة ثقوباً في إطارات السيارات وتوقف أجهزة كشف الألغام مما اظطرهم للسير للتحقق من تهديدات محتملة. وفي بعض الأماكن، تقلّص المسار إلى قطر أقل من 5 أمتار وأخذت الرياح القوية تدفع بالرمال بسرعة خارقة. وكانت الحرارة الشديدة تعني أن بعض الجنود يحتاجون 10 لترات من الماء يومياً حتى لا يصابوا بالجفاف. لقد اطلق السواح لقب تضاريس المريخ بسبب مظهرها الذي يوحي بأنها خارج الكرة الأرضية. قال الفريق أول برنارد باريرا، القائد الفرنسي لعملية أشابيل، “كانت الظروف المناخية صعبة حقاً. كانت درجة الحرارة 45 درجة مئوية كل يوم، وتزيد عن 50 درجة في بعض النقاط. وكان كل فرد من جنودنا يحمل أكثر من 30 كيلوغراما من المعدات. وهذه بصراحة بمثابة رياضة بالنسبة للشباب. تسببت هذه الظروف في الإصابة بالتهاب أوتار العضلات، فكانت هناك حالات تورم اليدين، وإصابة بأمراض المعدة”. كانت عربات مثل هذه تجهز لتنفجر وتتناثر في جميع أنحاء أدرار دى إيفوغاس. خلال مهمة التطهير، عثرت القوات الفرنسية والتشادية على كنز حقيقي من سلع الإرهابيين. فقد كشفت عن جرافة كاتربيلر واقفة تحت شجرة ومغطاة بفروع الأشجار. كانت هذه الجرافة تُستخدم في فتح حفر لدفن الأسلحة، والعربات والألغام الأرضية. وكانت هناك أكوام من أسطوانات مدافع آر بي جي ومختبرات صغيرة تُسمى “الكراجات” يتم فيها تصنيع العبوات الناسفة. كما عثرت على نترات، ومولّد كهرباء بل وسترات ناسفة جاهزة للتفجير. وتناثرت هناك عربات مهجورة مفخخة لتنفجر عند اللمس. قال ميري “وجهنا تعليمات إلى الجنود بألا يلمسوا أي شيء”. متشددون إسلاميون كانوا قد اعتقلوا في أدرار دي إيفوغاس تحتجزهم قوات تشادية في آذار/ مارس 2013.الجيش التشادي للتدخل في مالي عثر الجنود كذلك على مواد ذات قيمة استخباراتية من بينها هواتف أقمار صناعية وأجهزة كمبيوتر. قام الفرنسيون فيما بعد بتحليل الهواتف وأبلغوا ميري بأنها تتضمن معلومات اتصال هامة وسجلات مكالمات. وكان من أكثر الاكتشافات إثارة للقلق جواز سفر ميشيل جيرمانو، وهو مواطن فرنسي كان تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي قد احتجزه كرهينة ثم أعدمه عام 2010. وفي 1 آذار/ مارس، أعلنت القوات التشادية وفاة أبو زيد، الذي ذُكر أنه قائد كتيبة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي التي سيطرت على أنشطة الإتجار والاختطاف في أدرار. وبعد أن أشرف بنفسه على إعدام رهينتين على الأقل واختطاف أكثر من 20 آخرين، اعتبر أبو زيد، وهو مواطن جزائري، من بين أكثر القادة عنفاً في التسلسل الهرمي لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. وقال ميري إنه بحلول 4 آذار/ مارس، غادر التشاديون سلسلة الجبال، ورغم تعرضهم للنيران كل يوم ونومهم في ظروف صعبة، كان الرجال مبتهجين. وأضاف، “أننا بمجرد تحرير أدرار، ارتفعت المعنويات حقاً. لأن الجنود كانوا مصممين على النجاح في مهمتهم وقد كانت ناجحة. فقدنا رجالاً- بعضهم في الواقع من أفضل رجالنا – ولكننا حققنا النصر لشعب مالي”. في الفترة من 11 إلى 28 آذار/ مارس، قامت القوات التشادية والفرنسية بتمشيط سلسلة الجبال مرة أخرى في عملية “راتيساج”، أو مهمة تطهير، للبحث عن مقاتلين، لاسيما في المنطقة المحيطة بوادي أميتيتاي. وفي 12 آذار/ مارس، دخلت في مناوشة مع المتطرفين، فقتلت ستة وفقدت جندياً تشادياً. وبنهاية الشهر، كانت قوات الجيش التشادي للتدخل في مالي والقوات الفرنسية قادرة على القول بثقة إن أدرار خالية من المتطرفين للمرة الأولى منذ عقود. وفي أعقاب المهمة، استقبل التشاديون في وطنهم استقبال الأبطال. وأعلن الرئيس ديبي 13 أيار/ مايو عيداً وطنياً “للذكرى والتقدير”. وقال ديبي، “إن قيم السلام والديمقراطية التي تجسدونها وتدافعون عنها انتصرت على التطرف”. ولدى سؤاله عن إرث التدخل ومكانه في التاريخ، كان بيكيمو أكثر تواضعاً، فقال، “إننا جنود بالأحرف البارزة. لقد كان قراراً سياسياً [بالتدخل]، ونحن بالتأكيد الذين نفذناه”. لكنه سمح لنفسه بقدر من الارتياح لمهمة أنجزت بنجاح. “لقد غادرنا تشاد بكل فخر، ونحمد الله على أن المهمة استكملت بكل فخر”. وجهات نظر حول عملية التدخل الرئيس التشادي إدريس ديبي إتنوأثناء خطاب له في 13 أيار/ مايو 2013 في 21 شباط/ فبراير، تحدثت هاتفياً مع الفريق أول عمر بيكيمو قائد قوات الجيش التشادي للتدخل في مالي فتيم. قلت له هذا: “يا سيادة الفريق، يجب عليك المضي قدماً! لا يسعنا أن نبدد أي وقت آخر، وإلا فإن مخاطر الحرب تصبح طويلة الأمد وصعبة”. قلت ذلك لسبب بسيط وهو أن أولئك الذين كانوا يقاتلون إلى جانب أبناء الشعب المالي – بعيداً عن الجيش الفرنسي- كانوا يتسمون بالبطء الشديد في الانضمام إلينا. لهذا السبب جازفت بإرسالك إلى خط النار، وأنا أعرف أنك ستفقد رجالاً. وهو يتبع المثل الإفريقي، “حين تريد أن تقتل أسداً، عليك أن تتوجه إليه مباشرة ولا تتبع ببساطة خطواته”. لقد اتجهت مباشرة إلى تجار المخدرات، الذين كانوا منظمين ومتمرسين في الحرب. علاوة على ذلك، لقد انتظروك وسط التضاريس التي أعدوها سلفاً. إن اشتباكك استغرق سبع ساعات. كنت في قلب العمليات. كان لديك الوسيلة لإنقاذ الأرواح، وذلك بفضل عرباتك المدرعة، ولكن لمعرفتك أن هذه العربات المدرعة لا تستطيع تسلق التلال، قررت تركها وراءك وشن الهجوم النهائي سيراً على الأقدام. لاشك أن هذا الهجوم كان مميتاً، ولكنه أتاح للمجتمع الدولي في إفريقيا وفي مالي كسب بعض الوقت. بدون هذا الهجوم، كانت الحرب ستستغرق ستة أشهر على الأقل. وبفضل هذا الهجوم، قطعت رؤوس حشد الإرهابيين، قضيت عليهم، حتى ولو كان بتكلفة باهظة. الفريق أول عمر بيكيموقائد قوات الجيش التشادي للتدخل في مالي، في مقابلة يوم 5 شباط/ فبراير، 2014 نح جنود بحروف كبيرة. كان قرار [التدخل] سياسياً بكل تأكيد، ولكننا قمنا بالتنفيذ. لقد غادرنا بكل فخر، ونحمد الله على أن المهمة انتهت بفخر. اعتمدت الوحدات التشادية لنحو ستة أشهر على أموال حكومتنا التشادية. وسواء كان المجال اللوجستي أو المجال المالي – كانت هناك دائماً مساهمات من الدول الشريكة – ولكن المجهود الرئيسي بذلته الحكومة التشادية. الدروس المستفادة؟ لا يمكنك فصلها عن بعضها البعض. إنها كلها جزء من حياة الجيش الوطني التشادي الآن. إنها تجربة، خبرة عشناها ويتعين علينا الآن أن نأخذ الإيجابي منها ونتعلم من السلبي. ونأمل أن تكون هناك إيجابيات أكثر من السلبيات. لقد كانت، قبل كل شيء، مهمة وطنية. موسى فاكيوزير الشؤون الخارجية التشادي، في تصريح أدلى به يوم 5 أيلول/ سبتمبر 2013 صحيح أن المجموعات الاقتصادية، سواء كانت، المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، أو المجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الوسطى، أو مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي، إلى جانب الاتحاد الإفريقي، تحاول إيجاد حلول للأزمات في إفريقيا. ففي إطار الاتحاد الإفريقي، يجرى إنشاء بنية للسلام. ولكنك رأيت في مالي أن الأمر استدعى تدخل فرنسا وتدخل تشاد، وهي ليست عضواً في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، من أجل استعادة السلام. هناك 15 عضواً في تلك المجموعة ولكنها عجزت عن استخدام القوة لمواجهة الوضع في مالي. إن المؤسسات الإفريقية تعمل، ولكنها لا تملك بعد القدرة العملية للتصدي لأوضاع مثل الإرهاب. وهناك تحرك لتشكيل كتيبة للتدخل السريع، ومطالبة الدول التي تملك القدرة على المشاركة الطوعية فيها. ولا يزال هذا مشروعاً في قيد الأنشاء. إن تشاد دولة عرفت الحرب الأهلية والتدخل الأجنبي على ترابها. نحن دولة نصفها مسلمون، ونصفها مسيحيون. ونحن مجتهدون جداً بشأن التعايش السلمي بين الطوائف الدينية. نحن دولة ساحلية مثل مالي. ونعرف أن تحديات الإرهاب ليس لها حدود، لا سيما حيث لا توجد حدود طبيعية. ومعنى الحرب التي فرضت علينا أن جيشنا أصبح مهنياً للغاية، خصوصاً في تلك التضاريس. لذلك، طلبت منا مالي، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، والمجتمع الدولي وفرنسا بقوة أن نتدخل. وهناك إجماع وطني بأن علينا أن نقاتل الإرهاب والتطرف، لأن من المرجح أن يؤثر علينا أيضاً. لقد دفعنا ثمناً باهظاً، أكثر من 30 قتيلاً، ولكني أعتقد انه كان ضرورياً للغاية.