أسرة منبر الدفاع الإفريقي
تُعرف غابة سامبيسا الشهيرة، الواقعة شمال شرقي نيجيريا، بأشجارها القصيرة وأجماتها الكثيفة، وتعاقب أي أخرق يجتازها دون منجل في يده. وتمتد على مساحة 512 كيلومتراً مربعاً في ولاية بورنو وكانت ملجأ لبوكو حرام وأتباعها المتشددين.
ولطالما استغلت بوكو حرام وولاية تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا هذه الغابة التي لا ترحم كقاعدة للعمليات، فكانت بوكو حرام تختطف الفتيات الصغيرات وتختبئ فيها، وكان مقاتلوها يخرجون منها ويهاجمون قوات الأمن ثم يختفون في أوكارها.
ولكن خلال عدة سنوات ماضية، بدأت القوات النيجيرية في قصف الغابة من الجو، فلاذ المتشددون وأعوانهم بالفرار مستسلمين، وفي الآونة الأخيرة، ساعدت الأصول الجوية التي اشترتها الدولة حديثاً (وخاصة 12 طائرات هجومية خفيفة من طراز «إيه29- سوبر توكانو») في رفع مستوى الجيش والقوات الجوية على الحركة في المنطقة بتكلفة ميسورة.
تأتي طائرات «توكانو» ضمن قائمة متنامية من الأصول الجوية التي تشتريها نيجيريا لكافة أفرع أجهزتها العسكرية والأمنية، إذ أضافت خلال السنوات القليلة الماضية منظومات تساهم في مراقبة وتأمين البر والبحر، كالطائرات المسيَّرة، منها المتصل بقواعد بأسلاك ومنها غير المتصل،
والمروحيات وأنواع كثيرة من الطائرات. وفي قارة تندر فيها حرب القوات المسلحة ضد بعضها البعض، ويمثل الجسر الجوي الاستراتيجي تحدياً مستمراً، فإن وجود باقة من الأصول الجوية منخفضة التكلفة يمكن أن يسهم في الحفاظ على فعالية المهام وقيمتها.
يمكن أن يبلغ سعر الطائرات المتقدمة ملايين الدولارات، وتكلف عشرات الآلاف من الدولارات في الساعة لتشغيلها، وهو ما يشبه “استخدام ساعة رولكس لإدخال مسمار”، على حد وصف أحد الخبراء في حديثه مع صحيفة «إير فورس تايمز». وعلى النقيض من ذلك، تستطيع طائرة «سوبر توكانو» التحليق مقابل ما يقرب من 1,000 دولار أمريكي في الساعة.
كما توفر طائرات «توكانو» مجموعة من خيارات التسليح، كالمدافع الرشاشة المثبتة على الجناحين وهيكل الطائرة، وصواريخ الجو-جو، والقنابل الموجهة بالليزر.
وجاءت الـ 12 طائرة «توكانو» في إطار صفقة اقتربت قيمتها من
500 مليون دولار مع الولايات المتحدة في عام 2021. ووفرت الصفقة هذه الطائرات التوربينية إلى نيجيريا في إطار حزمة تشمل قطع غيار لتوفير الدعم للعمليات لعدة سنوات، وعقود لدعم الإمداد والتموين، وذخيرة، ومشروع إنشائي على مدار عدة سنوات لتحديث البنية التحتية في «قاعدة كاينجي الجوية» بولاية النيجر.
وكانت طائرات «إيه29- سوبر توكانو» من أبرز الأسلحة المشاركة في عملية «هادن كاي»، وهي عبارة عن عملية جارية لمكافحة الإرهاب بدأت في نيسان/أبريل 2021 لتحل محل عملية «لافيا دولي» التي استمرت ست سنوات.
وأفادت صحيفة «ليدرشيب» في شباط/فبراير 2023 أن ضربتين جويتين وجهتهما طائرات «سوبر توكانو» أسفرت عن مقتل العشرات من مقاتلي بوكو حرام خلال اجتماعهم في غايزوا على حافة غابة سامبيسا؛ إذ أطلقت طائرات «إيه29- سوبر توكانو» وابلاً من الصواريخ والقنابل أسفر عن مقتل البعض وإجبار الآخرين على الفرار.
كما أجرت نيجيريا عمليات جوية خلال الفترة الممتدة من 23 شباط/فبراير إلى 9 آذار/مارس 2023، استسلم خلالها أكثر من 1,300 شخص، بينهم 699 طفلاً و411 امرأة و222 رجلاً. وأوضحت السلطات النيجيرية أن هذا العدد يشمل الإرهابيين وذويهم.
وأفادت إذاعة «صوت نيجيريا» أن المعلومات الاستخبارية كشفت أن شرذمة من المتمردين كانوا قد خططوا لمهاجمة مواقع في غامبورو وكوا ومونغونو بولاية بورنو لتعطيل الانتخابات الوطنية. وكشف اللواء موسى دنمدامي، مدير العمليات الإعلامية بوزارة الدفاع، عن “تنفيذ سلسلة من عمليات الاعتراض الجوي في هذه المواقع المحددة، وكشفت ردود الفعل أن الضربة استهدفت الإرهابيين، فقضت على الكثير من الإرهابيين ودمرت سبل الإمداد والتموين لديهم.”
أصول جوية رشيقة
توفر طائرة «إيه29- سوبر توكانو» قدرة مخصصة للجيش النيجيري لعمليات الإسناد الجوي الخفيف والقتال والاستطلاع. وتقوم شركة «سييرا نيفادا» بتصنيع هذه الطائرات في الولايات المتحدة مع شريكتها «إمبراير للدفاع والأمن» البرازيلية.
وتصميم الطائرة المتين يجعلها مثالية للتضاريس الوعرة التي تتميز بالمدارج غير الممهدة وفي قواعد العمليات المتقدمة، ويمكن تعديلها لتحمل طياراً واحداً في الإصدار المزود بمقعد واحد، أو طياراً واحداً ومعه ملاح أو ضابط في الإصدار المزود بمقعدين.
تبلغ سرعتها القصوى 593 كيلومتراً في الساعة وسرعة الطيران المعتادة 520 كيلومتراً في الساعة، ويبلغ أقصى ارتفاع للطيران لها 10,668 متراً، ويبلغ وزنها الأقصى عند الإقلاع 5,400 كيلوجرام، وتزيد حمولتها الخارجية قليلاً عن 1,551 كيلوجراماً.
تاريخ حافل بالنجاح الفوري
راحت طائرات «إيه29- سوبر توكانو» تساعد القوات النيجيرية في الضغط على قوات المتمردين والقضاء عليهم فور وصولها في عام 2021. فبينما كانت شاحنة تقل أربعة متطرفين من جماعة بوكو حرام تتحرك في منطقة غابة سامبيسا، كانت الطائرات الجديدة تراقبها وتتحين اللحظة المناسبة.
فنجحت طائرتان من طراز «إيه–29 سوبر توكانو» في تدمير الشاحنة في قرية جرجش في عملية دامت يومين استهدفت ثلاثة مخيمات لبوكو حرام وأسفرت عن مقتل 49 إرهابياً. وصرَّح الجيش النيجيري أن الضربات الجوية التي شنها يومي 30 و31 آب/أغسطس 2022 كانت في إطار عملية «هادن كاي».
وكشفت صحيفة «فانغارد» النيجيرية أنَّ الضربات الجوية استهدفت أيضاً أوكاراً في قريتي مينا وغازوا. وأكدت الصحيفة الهجمات نقلاً عن موقع زكازولا مكاما، المختص بشؤون مكافحة التمرد بمنطقة بحيرة تشاد، ونوَّه الموقع إلى أنَّ الضربات أسفرت عن مقتل 29 من مقاتلي بوكو حرام في غازوا و16 في مينا، بالإضافة إلى من كانوا على متن الشاحنة.
وفي 5 كانون الأول/ديسمبر 2021 أيضاً، وفي إطار عملية «هادن كاي»، استخدم الطيارون طائرات «سوبر توكانو» لقتل القيادي أبو سفيان، أمير ولاية غرب إفريقيا، والعشرات من مقاتليه في سلسلة من الهجمات في كوسوما وسيغير الواقعتين بالقرب من بحيرة تشاد بولاية بورنو، نقلاً عن موقع «صحاري ريبورترز».
وضربت قاعدة لترسانة أسلحة بعد أن رصدت مهام الاستخبارات والاستطلاع مقاتلي ولاية غرب إفريقيا يستعدون لمهاجمة القوات النيجيرية في المنطقة. وكشف التقرير أنَّ الضربات أصابت منشأة لتصنيع الأسلحة، وترسانة الأسلحة، ومستودع وقود، ومبنىً مليئاً بالمركبات والدراجات النارية.
وقبل ذلك بأسبوع، أفادت صحيفة «ديلي بوست» أنَّ الطائرات النيجيرية دمرت شاحنات مسلحة بمدافع في منطقة غاجيرام بولاية بورنو، إذ كان مقاتلو ولاية غرب إفريقيا بها يحاولون اجتياح المدينة وقاعدة عمليات متقدمة حين وجه طيارو القوات الجوية النيجيرية ضرباتهم لهم. وصرَّح العميد أونيما نواتشوكو، المتحدث باسم الجيش، أنَّ قوات الأمن ضبطت 10 بنادق كلاشنكوف ومدفع مضاد للطائرات ومدفع هاون عيار 60 ملم وذخيرة.
استخدمت القوات الجوية النيجيرية الطائرات الجديدة للحفاظ على هذا الضغط خلال عام 2022. ففي كانون الثاني/يناير، ورد أنَّ ضربة جوية أخرى في إطار «عملية هادن كاي» أسفرت عن قتل المدعو مالام آري، القيادي البارز بولاية غرب إفريقيا الذي كان مسؤولاً عن منطقة كيرتا وُلغو بولاية بورنو وأشرف على المرتزقة الأجانب الذين صنعوا عبوَّات ناسفة محلية الصنع للإرهابيين. وأفاد موقع «صحاري ريبورترز» أنَّ ضربات طائرات «سوبر توكانو» أسفرت عن مقتل آري والكثير من مقاتلي ولاية غرب إفريقيا وتدمير مبنىً في المنطقة.
وكشفت مجلة «نورث إيست ستار» النيجيرية أن الضربات الجوية الموجهة يوم 13 شباط/فبراير 2022 أسفرت عن مقتل مالام بوبا دانفولاني، وهو قيادي بارز آخر بولاية غرب إفريقيا، بالقرب من بحيرة تشاد بولاية بورنو، وعناصر أخرى. وكان دانفولاني مسؤولاً عن تنسيق نشر الجواسيس وجباية الضرائب والزكاة وإصدار التصاريح.
وفي خريف عام 2022، هاجمت قوات تسير بإسناد جوي قرىً واقعة خارج مدينة باما على طول أطراف غابة سامبيسا، فركض المتشددون الفارون إلى نهر يزرام المغمور بمياه الأمطار هرباً من القصف، فمات العشرات منهم غرقاً.
وقال بوكار غريما، وهو مقاتل ميليشيا يعمل مع الجيش، لوكالة الأنباء الفرنسية في أيلول/سبتمبر 2022: “غرق معظم عناصر بوكو حرام في النهر، وعُثر على جثثهم المنتفخة تطفو على السطح، وأخرج رجالنا ما يزيد على 100 جثة من النهر ودفنوها.”
يبدو أنَّ أهالي ولاية بورنو سعيدون بتزايد كفاءة قوات الأمن النيجيرية بفضل طائرات «سوبر توكانو». فقال المواطن أدامو علي أدامو، أحد سكان بورنو، لموقع «ديفنس بوست»: “ننتصر في الحرب بطائرات «توكانو»، وندفع الإرهابيين إلى غابة سامبيسا.”
وأشاد المواطن إسياكو عمر، أحد سكان بورنو، بالأثر الكبير الذي تحدثه الطائرات. وقال للصحيفة: “تنشب الحرب لأنَّ أهل الشر يريدون العبث بالأمن؛ مباركٌ لطائرات «توكانو» لدحر هؤلاء الأشرار هنا.”
وإذ كانت هذه الطائرات تواصل المساعدة في دحر العناصر الإرهابية من الجو، عمل المسؤولون الأمريكيون مع شركائنا النيجيريين للوفاء بالالتزامات الواردة في الصفقة لإنشاء مرافق لدعم طائرات «سوبر توكانو». ففي شباط/فبراير 2022، تواجد لفيف من المسؤولين النيجيريين والأمريكيين في «قاعدة كاينجي الجوية» لوضع حجر الأساس للمرحلة الأخيرة من مشروع بناء منشآت دعم بتكلفة 38 مليون دولار.
وهذه التكلفة جزء من الصفقة الأكبر التي تبلغ قيمتها 500 مليون دولار، وكان من المقرر أن يشمل ذلك إنشاء مظلات لطائرات «سوبر توكانو»، ومناطق لتجميع الذخيرة وتخزينها، وملحق لبرنامج محاكاة الطيران لهذه الطائرات.
ليست نيجيريا الدولة الإفريقية الوحيدة التي تستخدم طائرات «إيه29- سوبر توكانو»، فقد تسلمت بوركينا فاسو ثلاث طائرات منها في عام 2011 واستخدمتها في إجراء الدوريات الحدودية. وتسلمت القوات الجوية الموريتانية الصغيرة طائرة واحدة على الأقل منها في عام 2012 لتحل محل طائرات قديمة. وتسلمت أنغولا ست طائرات منها لمراقبة الحدود. وتسلمت مالي أربعة طائرات «توكانو» مخصصة لتنفيذ “الهجوم خفيف والإسناد الجوي القريب”، نقلاً عن موقع «ديفنس ويب».
الأصول الجوية الأخرى
كانت نيجيريا تستخدم مجموعة من الأصول الجوية قبل استلام طائرات «إيه29- سوبر توكانو»، فأفادت عدة تقارير أنها استخدمت طائرات مسيَّرة لقصف بوكو حرام لأول مرة في شباط/فبراير 2016، وأفاد موقع «ديفنس ويب» أن أجهزة الشرطة تستخدم مسيَّرات «أوريون» المتصلة بالقواعد منذ مطلع عام 2022 لمراقبة الحدود ومسارح الجريمة.
وكشف «ديفنس ويب» أن القوات الجوية النيجيرية أكدت في آذار/مارس 2023 أنها حصلت على إذن بشراء أكثر من 50 طائرة جديدة، منها:
ست مروحيات من طراز «تي 129 أتاك»: وهي مروحية تركية ذات محركين مخصصة للهجوم والاستطلاع، وتحتوي على مقعدين ويمكنها إطلاق النيران من مدفع 20 ملم وعشرات الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات.
24 طائرة تدريب متعددة المهام من طراز «إم346-»: توفر هذه الطائرة النفاثة ثنائية المحرك ذات المقعد الكبير تدريباً متقدماً للطيارين من خلال باقة من التقنيات، كما تتيح للطيارين التفاعل في البيئات الحية والافتراضية والمنشأة بالكمبيوتر.
طائرتا نقل من طراز «بيتشكرافت كينج إير 360»: تستطيع هذه الطائرة حمل 11 فرداً وتتميز بتصميم داخلي قابل للتعديل إما لنقل الحمولة أو للإسعاف الجوي.
أربع طائرات مراقبة من طراز « دايموند دي إيه 62»: يمكن استخدام هذه الطائرة في مهام إنفاذ القانون والبحث والإنقاذ والمراقبة وإدارة الكوارث.
12 مروحية من طراز «أغستا ويستلاند إيه دبليو 109 تريكر» متعددة المهام: تسمح أبواب هذه الطائرة بمختلف أنواع النزول السريع على الحبال، ويمكن استخدامها في مهام المراقبة والاستطلاع والمرافقة المسلحة ونقل القوات والبحث والإنقاذ والإجلاء الطبي.
على الرغم من نجاح الحملة الجوية التي تشنها نيجيريا للقضاء على المتمردين، صرَّح الفريق طيار إسياكا أولادايو أماو، رئيس أركان القوات الجوية، لوسائل الإعلام في آذار/مارس 2022 أن جميع أفرع الجيش تنهض بمهام لا غنىً عنها لأمن نيجيريا على المدى الطويل.
وقال: “يعد استغلال ضعف العدو من التكتيكات الرئيسية في أي حرب؛ ويمنحنا احتكارنا للسيطرة على المجال الجوي قوة قتالية وأفضلية في الجو، فلا سبيل للمتمردين والإرهابيين لشراء الطائرات أو التحليق بها أو صيانتها.”
وأضاف قائلاً: “ولكن من غير الدقيق إذا استنتجنا أن الأصول الجوية باتت الآن أهم من الأصول البرية أو البحرية. فالقتال ديناميكي، وجميع الخدمات تبني القدرات للأحداث الحالية ولحماية أراضي نيجيريا على المديين القريب والطويل.”