فيسبوك تويتر لينكدإن بينتيريست البريد الإلكتروني يعد النمو السكاني في القارة ‘أمراً غير مسبوق في التاريخ الانساني’، وسيتطلب ذلك تخطيطاً وقيادات ماهرة. لقد كان الرئيس الحبيب بورقيبه سابقاً لعصره. ففي عام 1957، أصبح أول رئيس لتونس. وخلال فترة رئاسته، تمكن من تغيير النسيج الاجتماعي لبلاده، خاصة في مجال حقوق المرأة. ففي بلد مسلم في غالبيته، منح بورقيبه المرأة التونسية حقوقها الكاملة كمواطنة، بما في ذلك حقها في خلع الحجاب وحقها في التصويت. وأقام نظاماً قومياً للرعاية الصحية. ومنع بورقيبه تعدد الزوجات، ومنح المرأة الحق في الطلاق، وبذل جهده للتأكد من أن الأولاد والبنات يستكملون مرحلة التعليم الابتدائي. وكخطوة غير عادية في ذلك الحين، جعل حبوب منع الحمل أمراً مشروعاً، كما جعل الاجهاض قانونياً بالنسبة للنساء ذوات العائلات كبيرة العدد. وقال روبرت إنغلمان من معهد وورلد وواتش في مقال كتبه لمجلة ساينتفيك أمريكان ماغازين في شباط/ فبراير 2016، أنه بحلول منتصف ستينات القرن العشرين، كانت العيادات المتنقلة لتنظيم الأسرة في أنحاء تونس توفر حبوب منع الحمل. ومع أن بورقيبه عزل من منصبه في عام 1987، فإنه ترك لبلاده خطة فريدة للتعامل مع واحدة من أكبر التغيرات في العالم في القرن الحادي والعشرين: النمو السكاني المطرد في أفريقيا. وتنعم تونس اليوم بما يصفه خبراء السكان بهيكل عمري متوازن. ويعني هذا أن التوزيع السكاني بحسب الأعمار متوازن نسبياً فيما بين الصغار ومتوسطي العمر والكبار. أشخاص على الدراجات البخارية يملؤون شوارع كامبالا بأوغندا. أسرة أيه دي إف غير أن تونس تشكل خروجاً عن المألوف في القارة الأفريقية، فشعبها هو الأكثر شباباً على وجه الأرض. وهناك توقعات عديدة، بما في ذلك توقعات للأمم المتحدة، بأن تعداد أفريقيا، الذي يبلغ حالياً مليار نسمة، سيتضاعف بحلول منتصف القرن الحالي ثم يصل إلى 4 مليارات نسمة بحلول عام 2100. وتشير دراسات أخرى إلى نمو سكاني أسرع. ويقول علماء الاجتماع أن النمو السكاني في أفريقيا سيكون له أثر هائل على باقي أنحاء العالم. وتصف صحيفة الواشنطن بوست ذلك النمو بقولها، “لم يسبق له مثيل في التاريخ الانساني”. وتتحدث الأرقام عن نفسها: فطبقاً للأمم المتحدة، يمثل الأفارقة نسبة تصل إلى 16 بالمائة من سكان العالم. وبحلول عام 2100، وإذا استمرت معدلات النمو السكاني على ما هي عليه حالياً، فإن الأفارقة سيمثلون ما يصل إلى 39 بالمائة من سكان العالم. ويعد معدل الخصوبة الكلي مؤشراً إحصائياً رئيسياً – ويقيس عدد الأطفال الذين يمكن أن تلدهم امرأة خلال حياتها. ويصل هذا المعدل في أفريقيا إلى 4,7 طفل لكل امرأة، بينما يصل معدل الخصوبة الكلي على مستوى العالم إلى 2,5 طفل لكل امرأة. وفي النيجر، واحدة من أفقر الدول في أفريقيا، يصل متوسط عدد المواليد لكل امرأة على مدى حياتها إلى أكثر من سبعة أطفال. وبحلول منتصف القرن، تشير التوقعات إلى أن عدد سكان النيجر سيصل إلى أربعة أمثال تعداد سكانها حالياً تقريباً. وهذا النمو السكاني ليس بجديد. حيث أن تعداد سكان القارة الآن يصل إلى ثلاثة أضعاف عدد سكانها في عام 1980. وبحلول منتصف القرن، تشير التوقعات إلى أن الزيادة السكانية في أفريقيا ستكون بمعدل 80 شخص كل دقيقة. ويتوقع أن تضيف نيجيريا، التي تحتل المرتبة السابعة في العالم من حيث عدد السكان، مزيداً من السكان إلى تعداد سكان العالم بحلول عام 2050، بالمقارنة مع أي دولة أخرى. وتعد هذه الاحصاءات تغيراً أساسياً بالمقارنة مع التوقعات السابقة. فحتى عام 2004، كانت الأمم المتحدة تتوقع أن يصل النمو السكاني في افريقيا إلى 2.2 مليار نسمة فقط بحلول عام 2100. وكان خبراء السكان قد نظروا إلى انخفاض معدلات المواليد في كل من آسيا وأمريكا اللاتينية وحسبوا توقعاتهم على أساس أن أفريقيا ستشهد نفس التغيرات. ولكن هذا لم يحدث. وتجدر الاشارة هنا إلى أنه حتى قبل أن يبدأ الانفجار السكاني في القارة الأفريقية، فإن زعماءها كانوا على دراية به. فقد بدأت كينيا في انتهاج سياسات لتنظيم النسل منذ عام 1967؛ ولحقت بها غانا بعد ذلك بعامين. وبحلول عام 2003، أعلنت 77 بالمائة من الدول الواقعة في الصحراء الأفريقية الكبرى مبادرات سياسية لإبطاء النمو السكاني فيها. الحلقة الفعالة لقد استخدمت دول أخرى حول العالم برامج تنظيم الأسرة كنقطة انطلاق للحلقة الفعالة. فقد أدى استخدام موانع الحمل إلى انخفاض في معدلات الخصوبة. وسمح ذلك الانخفاض بزيادة في الموارد المتاحة، مثل فرص التعليم، بحيث زاد متوسط نصيب الفرد من فرص التعليم. وبزيادة التعليم، تمكنت النساء والبنات من زيادة النمو الاقتصادي وهو ما أدى بدوره إلى تحسين أوضاعهن الاجتماعية. إن الاخفاق في التعامل مع النمو السكاني يؤدي إلى ازدحام المدارس، واختناق شبكات الطرق، وارتفاع أسعار الإسكان إلى مستويات باهظة. وهناك العديد من الأسباب وراء التوقعات العالية لنمو السكان في القارة الأفريقية. وربما وقبل كل شيء الصحة العامة. وتقول الأمم المتحدة إن متوسط البقاء على قيد الحياة في أفريقيا قد ارتفع بمقدار ستة أعوام، إلى 59 سنة، خلال العقد الأول من القرن الحالي. وبحلول عام 2100، سيصل المتوسط إلى 78 سنة. وتقول الأمم المتحدة، أنه خلال العقد الماضي، انخفض معدل وفيات الأطفال في أفريقيا تحت سن 5 سنوات من 142 في 1000 إلى 99 في 1000. ومع ذلك، فإنه يظل ضعف المعدل العالمي. وتعود الأسباب الرئيسية لاطراد النمو السكاني في أفريقيا إلى عوامل مجتمعية. ففي العديد من أجزاء القارة، تمس الحاجة إلى وجود أعداد كبيرة من الأطفال في العائلات للعمل في الأرض، وهي غالباً ما تكون أرضاً غير صالحة للزراعة. كما أن الرجال في العديد من الدول الأفريقية يعتبرون العدد الكبير من الأطفال رمزاً للعزوة والمكانة الاجتماعية، وكدليل على الرجولة المكتملة. كذلك، فإن فرص الحصول على موانع الحمل محدودة في العديد من المناطق. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هناك عاملاً آخر هو أن الأفارقة لا يريدون أن يملى عليهم العالم الخارجي ما الذي ينبغي عليهم عمله. ففي مقابلة أجرتها وكالة الأنباء الكاثوليكية في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2015، قال القس الأوغندي هيرمان – جوزيف كالونغي إن الحملة من أجل استخدام موانع الحمل هي “عبارة عن قوى غربية تفرض بعض العادات، وتفرض بعض سبل الحياة التي تتناقض مع ثقافتنا”. وقال، “بدلاً من مساعدتنا على تنمية مواردنا الغذائية، وبدلاً من مساعدتنا على إقامة مصانع والحصول على الأدوية، يقترحون علينا التقليل من إنجاب الأطفال لكي لا نتعرض لمشكلة الجوع”. ولعل أكبر سبب منفرد للاطراد السكاني في أفريقيا هو أن العديد من النساء الأفريقيات لا يتحكمن في مصيرهن. فهن واقعات تحت رحمة أزواجهن، وافتقارهن إلى التعليم والفرص، أو سوء القيادات في بلادهن. هموم أمنية في عام 2011، حذر استاذ العلوم السياسية النيجيري عزيز أولانيان في تقرير بعنوان “الكابوس السكاني: النمو المطرد في عدد السكان والتحديات الأمنية في أفريقيا”، من العواقب الأمنية للنمو السكاني السريع في أفريقيا دون زيادة مقابلة في مرافق البنية التحتية أو فرص العمل. وكتب يقول، “تشمل هذه التحديات زيادة مفاجئة في أعداد الشباب، والهجرة من الريف إلى الحضر، والضغط على مساحة الأرض، وقضايا البيئة واستنزاف الموارد الطبيعية”. وأضاف أنه، “عندما توجد حشود هائلة من الشباب العاطل عن العمل أو الذي لا يعمل بالقدر الكافي، ترتفع بشكل كبير احتمالات لجوئهم لحمل السلاح مقابل مبالغ زهيدة، وترتفع كذلك احتمالات استدراجهم للجماعات الاجرامية”. وقال، “بمعنى آخر، فإن البطالة، وهي نتاج لنمو سكاني منفلت، تشعل جذوة الصراع والجريمة”. وقال إن حدة تلك العواقب تزداد بشكل خاص في أي دولة يطول فيها أمد الحكم العسكري. وأضاف إنغلمان، إن العديد من الزعماء الأفارقة يخشون العواقب الأمنية لمستقبل “مزدحم، ومشحون بالمواجهات، وحضري”. وتحذر دراسة أجرتها الأمم المتحدة من أخطار تنامي قوة العمل في أفريقيا بشكل يفوق بكثير فرص العمل المتاحة مما سيخلق “مشكلة خطيرة للمجتمع”. وقالت دراسة الأمم المتحدة، “إن معدلات الارتفاع السريع في عدد السكان لها عواقب تتعلق بالصراعات السياسية والاجتماعية بين جماعات عرقية، ودينية، ولغوية واجتماعية مختلفة”. إن النمو السكاني سيكون “عاملاً أساسياً مساهماً” في العنف والعدوانية في أوساط الشباب، ويمكن أن “يسهم في تشكيل قوة سياسية مزعزعة للاستقرار وربما متفجرة”. المدن الأفريقية لا يمكن مناقشة النمو السكاني المطرد في أفريقيا بدون التطرق إلى المدن الأفريقية، خاصة الكبرى منها. فمدينة كينشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية من المتوقع أن يصل عدد سكانها إلى 20 مليون نسمة بحلول عام 2030، بينما سيرتفع عدد سكان مدينة لاغوس بنيجيريا إلى 24 مليون؛ وهو التعداد الحالي لسكان مدينة شنغهاي بالصين، واحدة من أكبر المدن في العالم. فعلى مدى 50 عاماً فيما بين عامي 1960 و 2010، ازداد عدد سكان المدن الكبرى في أفريقيا من 53 مليون نسمة إلى 401 مليون نسمة. وتوجد في أفريقيا الآن 50 مدينة تعداد سكان كل منها أكثر من مليون نسمة. وبحلول عام 2025، سيكون هناك 23 مدينة إضافية. قال الدكتور ريتشارد سينكوتا، وهو خبير سكاني قام بدراسات مكثفة عن أفريقيا، لمجلة أيه دي إف، أن الافتقار إلى فرص العمل في المناطق الريفية سيستمر كعامل طرد لسكانها وزيادة عدد سكان المدن. وقال “ليس هناك ما يمكن أن يعمله الشباب في الريف، لذلك، فإنهم يهاجرون إلى المدينة”. وسيماثل مستقبل أفريقيا ما سبق وحدث في الصين. فأفريقيا تتحول بسرعة من الريف إلى الحضر مثل الصين. إن العديد ممن يصلون حديثاً إلى المدن الأفريقية، إن لم يكن معظمهم، يأتون من مزارع فاشلة. ويقول إنغلمان، إن هؤلاء القادمين الجدد، معظمهم من الشباب يستقرون في تجمعات سكانية فقيرة، “ممسكين بما يمكنهم انتزاعه من مأوى وسبل للعيش”. ويقول ديفيد أنتوني من يونيسيف إن بوسع زعماء أفريقيا إحداث كل الفارق بالشروع في التخطيط لنمو الحضر. وقال لمحطة الإذاعة القومية العامة، “نريد أن نرى الزعماء الأفارقة وهم يخصصون الاستثمارات الصحيحة والكافية للأطفال الذين ستمس الحاجة إليهم لبناء قوة عمل أفريقية ماهرة وديناميكية، وقادرة على الانتاج، ويمكنها أن تنمو، وأن تضيف قيمة إلى الاقتصاد. إن أسوأ ما يمكن أن يحدث أن يسمح لذلك الانتقال بأن يتم، لأن ما ستراه هو نمو ليس له مثيل في التجمعات السكانية الفقيرة”. الحاجة إلى الكهرباء يركز التقرير الذي أعده أولانيان على الحاجة إلى تجديد مرافق البنية التحتية لكي يمكنها تلبية احتياجات النمو السكاني. خاصة وأن أفريقيا تحتاج إلى المزيد من الكهرباء. وكتب أولانيان يقول، “هناك قلة من الدول الأفريقية تنتج الامدادات الكافية لها من الكهرباء، ولذلك فإن تحسين مستوى امدادات الكهرباء على مستوى القارة الأفريقية من شأنه إخراج غالبية الأفارقة من الحلقة المفرغة للفقر، وبالتالي، إزالة سبب رئيسي للصراع”. وهناك فائدة محددة يمكن الحصول عليها من تحسين موارد الكهرباء عبر القارة، وهي أن عدداً أقل من الشباب سيجدون أنفسهم مضطرين للانتقال من الريف إلى المدينة. كذلك، فإن الافتقار إلى الكهرباء أعاق التجارة في مساحات شاسعة من أفريقيا. وحتى في المناطق التي تم تطويرها وفي المدن، اشتكى التجار وأصحاب المصانع من اضطرارهم لإغلاق مشاريعهم بشكل منتظم بسبب الافتقار إلى مصادر للطاقة يمكن الاعتماد عليها. وحذر خبراء الاقتصاد من أن الدول الأفريقية التي ليس لديها امدادات كافية من الطاقة ستكون اقتصاداتها راكدة، وهو ما لن يشجع على جلب استثمارات جديدة. فتوفير مصادر الطاقة خلال الأعوام القادمة سيكون المحرك الرئيسي للنمو. وتحسين قدرة أفريقيا على الحصول على الكهرباء ليس مهمة مستحيلة. حيث أن العديد من مناطق القارة تتوفر فيها مصادر هائلة لتوليد الطاقة من المياه. وتعتقد بعض السلطات أن حوض نهر الكونغو وحده تتوفر فيه القدرة على تزويد معظم أنحاء أفريقيا، إن لم يكن كلها باحتياجاتها من الكهرباء. تعزيز التحكم في الزيادة السكانية لا يزال التحكم في أعداد السكان المتزايدة باطراد هو السبيل الرئيسي لتحسين نوعية الحياة في القارة الأفريقية. وفي أجزاء أخرى من العالم، وبشكل ملفت في الهند والصين، تم التعامل مع هذه المشكلة بطريقتهم الخاصة. ففي عام 1978، طرحت الصين مبادرة “الطفل الواحد” كسياسة محددة بشكل رسمي لعدد الأطفال المسموح به لكل زوجين. وطبق المسؤولون الصينيون هذه السياسة عن طريق فرض عقوبات مالية وضرائب على المخالفين. وتأثر بتلك السياسة بشكل خاص، المزارعون الصينيون، الذين كانوا بحاجة إلى أبناء للعمل في مزارعهم. ولكن هذه السياسة أدت إلى اتهامات بقتل البنات الرضع، واجبار الحوامل على الاجهاض وفرض العقم بشكل جباري. وانتهى العمل بتلك السياسة في عام 2016. أما الهند فقد أدركت الحاجة إلى تنظيم الأسرة مبكراً في عام 1949 وبدأت برنامجاً قومياً لتحديد النسل في عام 1952. وفي وقت لاحق أضافت برنامجاً لصحة الأسرة والتغذية. وقامت الهند بتحديث برنامجها لتنظيم النسل في أعوام 1966، و1977، و1994. واشتملت بعض جوانب برامج الهند، فرض العقم الاجباري في سبعينات القرن العشرين على الرجال الذين أنجبوا طفلين، ولكنه فشل. وعلى الرغم من أن نساء الهند تدركن الحاجة إلى موانع الحمل، فإن الحصول عليها متعذر في أغلب الأحيان. وتدعو الخطة المعمول بها حالياً لتنظيم النسل، والتي بدأت في عام 1994، إلى توفير موانع الحمل للجميع، وتحديد سن 18 سنة كحد أدنى للزواج، وتدريب الأشخاص الذين يساعدون في الولادة، وتوفير تعليم أوسع نطاقاً لشباب الهند. وتعد الخطة الهندية نموذجاً يمكن أن تحتذيه دول أخرى في أنحاء العالم، بما في ذلك أفريقيا. لقد أثببت تجربة الصين أن فرض تحديد النسل بالقوة ليس السبيل الصحيح. وكما يوضح أولانيان، فإن دول أفريقيا الـ 54 تحتاج إلى “حملة توعية، وتنوير، وتعليم متجددة” لكي يمكن تحقيق أهداف تحديد النسل. قال كينكوتا لمجلة أيه دي إف أن أحد العناصر الرئيسية لتحقيق التنمية الدائمة في القارة الأفريقية هو توفر القيادة القوية، وبصفة خاصة في الزعماء الذين “يؤمنون بقوة بضرورة مشاركة المرأة في المجتمع”. ويقول كينكوتا، إنه عندما يصر الزعماء على حقوق المرأة، يكون لذلك آثار متعاقبة. حيث تتلقى المرأة تعليماً أساسياً جيداً، وتنتقل المرأة إلى سوق العمل، وينخفض معدل الخصوبة، وتتحسن خدمات الحكومة بالنظر إلى انخفاض عدد المواطنين الذين تقدم لهم الخدمة. كما ترتفع الدخول، ويتواصل تحسن التعليم، فيما ينخفض معدل الجريمة. وفي دراسة بعنوان “السكان في أفريقيا”، أجراها الباحثان جين – بيير غوينغانت وجون ماي في عام 2013، تقول إن أي دولة تتطلع إلى الرفاهية الاقتصادية، يتعين عليها أولاً أن تخفض معدل المواليد، فهذا حسب قولهما ينتج “عائد سكاني”. تحسين البنية التحتية، يخلق وظائف سألت هيئة الإذاعة البريطانية أوباديه ميلافيا، وهو نائب سابق لمحافظ البنك المركزي في نيجيريا، كيف ستحتاج أفريقيا لتخطط للتعامل مع النمو السكاني المطرد. إذا توجهت إلى العديد من مدننا هذه الأيام، ستجدها أكثر ازدحاماً من أي وقت مضى. وهكذا تنبثق تحديات ضخمة من الزيادة السكانية، وهذا واضح جداً. ويمكن أن ترى أن ذلك لا ينعكس فقط في زحام طرق السير، وإنما في الضغط على الخدمات الاجتماعية، والمياه، والكهرباء، والمدارس وباقي المرافق. وفي بعض مطاراتنا الكبرى، هناك ضغط حالياً على أماكن وقوف الطائرات الخاصة. فيما تعج الشوارع بالمواطنين الفقراء، والهائمين على وجوههم في الشوارع لافتقارهم إلى الفرص الاقتصادية وشعورهم بأنه لا أمل لهم في المستقبل. وأشعر بالقلق ازاء حقيقة أننا لم نعمل الترتيبات اللازمة لمواجهة هذا التزايد السكاني. ولا توجد دولة في العالم تعداد سكانها يفوق 70 مليون نسمة ولا تتوفر بها شبكة مزدهرة لخطوط السكك الحديدية. فالطرق مليئة بالشاحنات الثقيلة. كذلك فإن هناك حاجة لتوسيع نطاق الخدمات الاجتماعية، مثل الصحة، والتعليم وباقي الخدمات، وكل هذه الأشياء يجب توفيرها، جنباً إلى جنب مع تخطيط أفضل للسكان وللعائلات. يتعين علينا خلق وظائف، ومضاعفة الفرص أما الشباب لتشجيعهم على المشاركة وشغل أوقاتهم، وما لم نفعل ذلك، ربما نجد أنفسنا نواجه ما حدث في الربيع العربي يحدث في نيجيريا. الإرادة السياسية مطلوبة شرح جون ويلموث، مدير دائرة السكان في الأمم المتحدة وجهات نظره إزاء النمو السكاني في أفريقيا لهيئة الإذاعة البريطانية في أيلول/ سبتمبر 2015. لقد انخفض معدل الوفيات انخفاضاً كبيراً في أفريقيا، شأنه في ذلك شأن ما حدث في أنحاء العالم الأخرى، وهذه أنباء طيبة في جوانب كثيرة – فالأطفال يبقون على قيد الحياة بأعداد أكبر بكثير ويمرون بمرحلة الرشد ثم يعيش البالغون حتى عمر أطول. ومع هذا، فإن ما يحول دون ذلك النوع من الحركة نحو اتجاه مماثل لما يحدث في باقي أنحاء العالم هو استمرار معدلات عالية للخصوبة عندنا. فدائماً لديك ثلاثة أشياء معاً. لديك خصوبة عالية، ونمو سريع وسكان في سن الشباب. فهناك نسبة تصل إلى 41 بالمائة من سكان أفريقيا حالياً تحت سن 15 سنة. وهي نسبة عالية للغاية. وتبلغ نسبة السكان فيما بين 15 و24 سنة 19 بالمائة. فإذا أضفت المجموعتين معاً، ستجد أن ثلاثة أخماس السكان تحت عمر 25 سنة. نحن بحاجة فعلاً إلى إرادة سياسية على أعلى المستويات لتركز الانتباه على هذه القضية لأنها بالفعل ستؤثر على قدرة هذه البلاد على رفع مستوى معيشة سكانها، وسيكون لها عواقب وآثار بعيدة المدى على رفاهة هذا الجزء من العالم وباقي أنحاء العالم أيضاً. الفقر المدقع هو المشكلة هانز روزلينغ، استاذ الصحة الدولية في معهد كارولينسكا بالسويد قال لهيئة الإذاعة البريطانية أن النمو السكاني في حد ذاته ليس هو المشكلة. إن ما يصعب على العالم المحيط بأفريقيا إدراكه هو أن تلك القارة ستصبح أكثر أهمية بكثير في العالم. وأنا أرى ذلك متمثلاً في أن العديد من بنوك الاستثمار الكبرى تدعوني لزيارة أفريقيا وإلقاء محاضرات هناك لأن تلك البنوك ترى، “يا لها من منطقة تعج بالنمو الاقتصادي وتحصد الشركات العاملة في أفريقيا اليوم أرباحاً”. إنهم يرون زبائن. إن السبب وراء النمو السكاني في أفريقيا هو نفس السبب الذي [شهد] النمو السكاني أولاً في أوروبا، ثم في الأمريكيتين، ثم في آسيا. يحدث ذلك عندما يتحول السكان من مرحلة يولد فيها أطفال كثيرون ويموت منهم كثيرون. ثم ينخفض معدل الوفيات [وفي وقت لاحق] ينخفض معدل المواليد. ففي أديس ابابا هناك 1,6 طفل يولد لكل امرأة، وهو معدل أقل من نظيره في لندن. وهكذا، فعندما تسمع أن المعدل في أفريقيا 4,5 طفل لكل امرأة، وهو مؤلف من المعدل في أكثر المناطق حداثة في أفريقيا وهو طفلين لكل امرأة [أو أقل] والمعدل الأسوأ في المناطق بالغة الفقر، ستة إلى سبعة. ويمكنني أن أرى حكومة بعد حكومة في أفريقيا تدرك ذلك. وحالياً نرى أن كلاً من إثيوبيا، ورواندا، وغانا تفعل الأشياء الصحيحة، ونرى الآخرين يتقدمون بسرعة. وإذا أبقيت على مناطق الفقر المدقع حيث تلد المرأة في المتوسط ستة أطفال وتضاعف عدد السكان خلال جيل واحد، فإنك ستواجه مشاكل. ولكن لن يكون النمو السكاني عندئذ هو المشكلة – وإنما الفقر المدقع الذي سيكون السبب الكامن.