أسرة منبر الدفاع الإفريقي
اجتمع قياديو الجماعات الإرهابية بمنطقة الساحل في وسط مالي في شباط/فبراير 2020 لحضور اجتماع نادراً ما يحدث وجهاً لوجه، وذكرت المخابرات الفرنسية أنَّ قياديي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وجبهة تحرير ماسينا اجتمعوا لمناقشة هدف مشترك: ألا وهو التوسع. إذ كانوا يعتزمون التوسع ناحية خليج غينيا، وهكذا ستكون كوت ديفوار واحدة من أولى البلدان في مرمى نيرانهم.
وما لبثت الخطة حتى أسفرت عن سفك الدماء، إذ اقتحمت عناصر متطرفة نقطة أمنية في كافولو في حزيران/يونيو 2020، وقتلت 10 من رجال القوات المسلحة، ونُسبت سبع هجمات على الأقل في عام 2021 إلى الجماعات الإرهابية في كوت ديفوار على طول حدودها مع بوركينا فاسو.
وقال السيد ساڤادوجو محمودو، الخبير في شؤون التطرف العنيف، خلال مؤتمر بالمعهد العالي لإدارة المخاطر في بوركينا فاسو: ”على كوت ديفوار الاستعداد لهذه الأزمة، وعليها ألَّا ترتكب نفس الأخطاء التي ارتكبتها بلدان الساحل، أي عليها تجهيز قوات الأمن والدفاع وإخضاعها للتدريبات المناسبة.“
وأرسلت كوت ديفوار الشهر الماضي إشارة قوية بأنها على أهبة الاستعداد للقتال، إذ أقامت يوم 10 حزيران/يونيو حفل افتتاح الأكاديمية الدولية لمكافحة الإرهاب، وتقع الأكاديمية على مساحة 1,100 هكتار [أي نحو 2,600 فدان]، وتقع على مسيرة 50 كيلومتراً خارج أبيدجان، وتضم مدرسة للمسؤولين الحكوميين ومركزاً لتدريب القوات الخاصة ومعهد أبحاث.
وقال السيد باتريك أتشي، رئيس وزراء كوت ديفوار، خلال الحفل: ”ستكون الأكاديمية الدولية لمكافحة الإرهاب باكورة استجابة غرب إفريقيا الحرة الواعية، بعدما تلقت تدريبات خاصة، وعقدت عزماً لا يلين.“
وقد أطلق الرئيس الإيفواري الحسن واتارا والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برنامج التدريب على مكافحة الإرهاب في عام 2017، ونجح منذ ذلك الحين في تدريب 500 من رجال الأمن من 15 دولة إفريقية، وستتضمن المنشأة الجديدة وحدات تدريبية لرجال الشرطة والجيش والجمارك ومسؤولي السجون.
وأكَّدت قيادات الدولة أنَّ أبواب الأكاديمية مفتوحة لكافة القوى الأمنية في المنطقة.
وقال واتارا: ”يجب أن تصبح الأكاديمية الدولية لمكافحة الإرهاب مركزاً للخبرة والكفاءة الإقليمية في مكافحة الإرهاب للمساهمة في تحقيق الاستقرار لبلادنا وتحقيق الأمن لشعوبنا.“
وقد قدَّمت الجهات الداعمة 27 مليون دولار أمريكي للمرحلة الأولى من الأكاديمية مع توقع توفير مبلغ 45 مليون دولار إضافي للمرحلة الثانية، وبوسع الأكاديمية عند افتتاحها تدريب ثلاث مجموعات تضم المجموعة الواحدة 25 دارساً في آن واحد.
فالتدريب مطلوب عاجلاً غير آجل، وجاء الحفل بعد ثلاثة أيام من هجوم عناصر متطرفة على مركز أمني بمدينة توجبو الشمالية، ممَّا أسفر عن مقتل أحد عناصر القوات المسلحة الإيفوارية، ويعد ثالث هجوم في تلك المنطقة خلال شهرين.
ويرى الخبراء أنَّ الجماعات المتطرفة تسعى لاستغلال استياء المدنيين في أقصى الشمال لكي ينقبلوا على الحكومة.
وقال السيد لاسينا ديارا، الخبير الإيفواري في مكافحة الإرهاب، لوكالة الأنباء الفرنسية: ”بدأ شمال كوت ديفوار يخضع لنفوذ الجماعات المتشددة، وتعد هذه المنطقة من الأهمية بمكان لأمن الدولة الإيفوارية.“
يقتضي التصدِّي لهذا التهديد اتباع نهج متعددة الجوانب لا يقتصر على المواجهة العسكرية، إذ تسعى العناصر الإرهابية لاستغلال إشكاليات كالعنف الطائفي والاستفادة من غياب الدولة وانعدام الفرص الاقتصادية، وتجمع الشمال روابط لغوية وثقافية ببوركينا فاسو المجاورة، ممَّا يسمح للجماعات المتمركزة هناك بعبور الحدود لتجنيد عناصر جديدة. ويقول محمودو: ”تسمح هذه العوامل كافة لهذا التهديد بالانتقال إلى البلدان الساحلية تدريجياً، وتسهِّله الجماعات الإرهابية المسلحة التي تخلق ممرات واستراحات في هذه البلدان.“
وأعرب السيد جان إيف لودريان، وزير خارجية فرنسا، عن أمله في أن تكون الأكاديمية منبراً لتبادل الأفكار والخبرات بين رجال الأمن بهدف تعميق الفهم للمشكلات الإقليمية.
وقال لودريان خلال الحفل: ”ليست آفة الإرهاب حتمية، لا في إفريقيا ولا في أي مكان آخر، فهي تهديد علينا مكافحته.. ويمكننا القيام بذلك بالتحلِّي بالتماسك والواقعية من خلال حشد أفضل المتخصصين وتوفير البنية التحتية المثلى، ونعلم أنَّ مسؤوليتنا تقتضي محاربة هذا العدو المشترك.“