فيسبوك تويتر لينكدإن بينتيريست البريد الإلكتروني هجمات الجماعات المتمردة تبيّن الروابط بين الصراع والأمن الغذائي إن الخسائر البشرية الناجمة عن تمرد بوكو حرام ضد شعب شمال نيجيريا موثقة جيداً: قُتل الآلاف، وشُرّد الملايين وأمسك الخوف بتلابيب المنطقة بأسرها. ولكن بالإضافة إلى الأرواح التي زُهقت، كان لدى الجماعة المتطرفة هدف آخر: القطاع الزراعي. وكانت هجمات بوكو حرام على المزارعين وأراضيهم لا هوادة فيها. وأدى وجود الجماعة إلى إخلاء معظم الجزء الشمالي الشرقي من البلاد وحوّل ما كانت تُعرف يوماً ما بسلة خبز نيجيريا إلى منطقة لا تنعم بالأمن الغذائي. كما استهدفت الجماعة المزارع مباشرة، فأحرقت المحاصيل، وقتلت الماشية ودمرت البنية التحتية. تمثل بوكو حرام دراسة حالة في طريقة ارتباط الصراع بالأمن الغذائي. وفهم هذا الارتباط أمر حيوي لخبراء الأمن الباحثين عن سبل لحماية المدنيين من الآثار الثانوية للحرب مثل المجاعة، والأمراض والتشرد. وهذه الآثار، التي تندرج تحت فئة “الأمن الإنساني”، أكثر فتكاً بكثير، من الناحية التاريخية، من الصراعات ذاتها. إيرنست أوغبوزر، وهو من مواطني كادونا في شمال شرق نيجيريا، عامل سابق في الصليب الأحمر، والمرشح الآن للحصول على درجة الدكتوراه من كلية تحليل وحل النزاعات بجامعة جورج ميسون. قام منذ عام 2010 بإجراء مقابلات مع مزارعين في الكاميرون، وتشاد ونيجيريا لتحديد الاثر الذي تركته بوكو حرام على مصادر رزقهم. وجد أنه لكي تسيطر على السكان، تستهدف الجماعة عمداً الإمدادات الغذائية بأعمال شائنة يصفها بأنها “نهب للأصول”. بائعة تبيع الحبوب وغيرها من المواد الغذائية من كشك في سوق بير في إيبادان بجنوب غربي نيجيريا. رويترز قال لمجلة أيه دي إف، “إذا لم يتمكنوا من قتلك، فإنهم يسلبونك من مصادر رزقك. إنهم يحرقون كل شيء. وهذا يعني أنه حتى لو كنت على قيد الحياة، فلن يكون لديك أي مصدر للعيش”. نحو 80 بالمائة من الناس الذين يعيشون في المناطق الريفية في نيجيريا مزارعون. ومحاصيلهم الرئيسية هي الذرة الرفيعة، والدخن، والفول السوداني، والفاصوليا والأرز. وفي عام 2013، عندما استولت بوكو حرام على معظم ولاية بورنو في شمال شرق نيجيريا، فر الكثير من المزارعين، وبدأت الجماعة المتطرفة بصورة ممنهجة في حرق المحاصيل وتدمير البنية التحتية. واعتباراً من مطلع عام 2016، دمرت بوكو حرام 1630 من مصادر المياه المستخدمة في الري بما في ذلك الآبار الآلية، والمضخات اليدوية والمضخات العاملة بالطاقة الشمسية، وذلك وفقاً للبنك الدولي. أما المزارعون الذين تخلفوا فقد أرغموا على دفع ضرائب لبوكو حرام تتراوح بين 1 مليون و3 ملايين نيرا (6000 إلى 18000 دولار) مقابل توفير السلامة لهم. قال أوغبوزر عن الجماعة الإرهابية، “إنهم يريدون أن يكون لهم تأثير، لإظهار أنهم مسيطرون على الوضع”. كان الأثر على الإمدادات الغذائية مدمراً وواسع النطاق. وجدت وكالة أنباء إيرين أنه فيما تخلف المزارعون عن زراعات ومواسم حصاد متعددة، صار الغذاء شحيحاً، وارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البقول والبصل بنسبة 70 بالمائة. وقال أوغبوزر إنه بالإضافة إلى ذلك، ونظراً لأن بوكو حرام تستخدم الأسمدة كأحد مكونات صنع القنابل، فرضت الحكومة قيوداً على شراء هذا المنتج، مما أضاف مشقة أخرى على المزارعين. توقف النشاط التجاري لبيع وشراء المواد الغذائية. وتمت مهاجمة سوق باغا للأسماك في ميدوجوري، الذي يمثل محركاً اقتصادياً لخدمة المنطقة، 20 مرة بين عامي 2009 و 2015، مما أرغم جميع الباعة تقريباً على الفرار. وسوق الماشية في أداماوا، الذي كان يجتذب الرعاة من الدول المجاورة، أغلق عقب هجوم انتحاري عام 2015. كما أغلق الجيش النيجيري سوقاً كبيرة للماشية في ميدوجوري خوفاً من أن تستفيد بوكو حرام من المبيعات هناك. كذلك هاجمت بوكوحرام الرعاة. وسرقت الجماعة أو قتلت 470000 رأس ماشية في ولاية بورنو، طبقاً لصحيفة ديلي تراست النيجيرية. وقالت وكالة رويترز إن نفاد قطعان الماشية تسبب في ارتفاع أسعار اللحوم ثلاثة أضعاف تقريباً في بعض المناطق. عندما أجري مقابلات مع المزارعين في أكبر مخيمات للمشردين في الداخل بولايات بورنو، ويوبي وأداماوا، دُهش أوغبوزر من أن الناس المعتادين على الاكتفاء الذاتي باتوا عالة على غيرهم. وقال إن الخياطين وصناع الأحذية تمكنوا من إقامة أعمال لهم في المخيمات، ولكن المزارعين الذين ضاعت أراضيهم أرغموا على الجلوس بلا عمل. قال أوغوبوزر، “إن كثيرين منهم يعتمدون على المعونات، ومساعدات الإغاثة. وبعضهم فقد أفراد من عائلاتهم، ويحاولون التأقلم مع الموقف لا أكثر. بينما لا يعرف البعض الآخر كيف سيكون المستقبل في حال عودتهم”. لم يكن للهجمات آثار مدمرة فقط على مصادر أرزاق المزارعين، وإنما أيضاً على إحساسهم بقيمتهم الذاتية. قال محمد علي، وهو مزرع من أداماوا، لوكالة إيرين، “إننا لا نقدر على شراء الطعام من السوق، [وعلينا الآن] أن نعتمد على عطف الغرباء كي نبقى على قيد الحياة. كنت معيلاً، وأصبحت الآن متسولاً”. الصراع يؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي عندما يُجبر المزارعون على ترك أراضيهم وتتعطل شبكة الطرق وسلاسل التوريد التي تنقل الغذاء للمستهلكين، فإن الناس يعانون. تناولت دراسة للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية 14 دولة عرضة للعنف ووجدت انخفاضاً متوسطاً بنسبة 12,3 بالمائة في إنتاج الغذاء خلال أوقات النزاع. وعلاوة على ذلك، يثير الصراع هجرات واسعة النطاق ويحوّل الأسر المكتفية ذاتياً إلى لاجئين. عندما سقطت شمال مالي في أيدي المتطرفين والانفصاليين عام 2012، اضطر ما يقرب من 400000 مالي، كان الكثير منهم من المزارعين أو الرعاة، إلى الفرار من منازلهم. وهذا لم يعطّل إنتاج الغذاء في شمال مالي وحسب- حيث ارتفعت أسعار الحبوب بنسبة 80 إلى 100 بالمائة هناك عام 2012- ولكنه أضاف ضغوطاً كبيرة على المجتمعات المضيفة في بوركينا فاسو، وموريتانيا، والنيجر والسنغال. دأبت منظمات الإغاثة، تاريخياً، على تلبية الاحتياجات الغذائية لللاجئين وليس الأثر كله سلبياً على المجتمعات المضيفة، ولكن تدفق الناس يعطّل الاقتصاد ويمكن أن يؤدي إلى استثارة العداء ضد الأجانب. كتب علماء في ورقة بحثية نشرها المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية تحت عنوان “اللاجئون، والأمن الغذائي، والمرونة في المجتمعات المضيفة” يقولون، “إن معظم اللاجئين يُستضافون في الدول المجاورة التي لا تواجه بالضرورة ظروفاً اقتصادية أفضل وكثيراً ما كانت تعاني انعدام الأمن الغذائي من قبل. وقد يضع هذا عبئاً إضافياً على السكان المضيفين وربما يضعف قدرتهم على تحمل الصدمات وتحقيق الأمن الغذائي بمرور الوقت”. ويمكن للصراع أن يدفع انعدام الأمن الغذائي بطرق أخرى. فالعمال من الشباب الذكور ضروريون لأعمال الزراعة ولكنهم أيضاً أول من يتم تجنيدهم في الجيوش الوطنية في أوقات الحرب أو يتم استهدافهم من قبل المتمردين المحليين. وهذا الإضعاف للأيدي العاملة يفاقم انعدام الأمن الغذائي. كتب هينك- جان برينكمان وكولين هندريكس يقولان في تقرير لبرنامج الغذاء العالمي عام 2011، “إن الأشخاص الأكثر عرضة للمشاركة في النزاع المسلح – شبان المناطق الريفية من محدودي التعليم والفرص الاقتصادية – يسعون على الأرجح للعمل في القطاع الزراعي. وفيما تتبدد فرص ذلك العمل، يبدو القتال أكثر جاذبية”. انعدام الأمن الغذائي يسبب النزاع مثلما يمكن للعنف أن يسبب نقصاً في المواد الغذائية، يمكن أن يؤدي النقص في المواد الغذائية إلى العنف. ففي عام 2008، ارتفع سعر الحبوب بما في ذلك الأرز، والقمح والذرة بشكل حاد في الأسواق العالمية. لم يلحظ الأثرياء كثيراً هذه الزيادة في السعر، ولكنها كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للكثيرين الذين يعيشون في فقر والذين خرجوا إلى الشوارع للتعبير عن استيائهم. احتج الناس وقاموا بأعمال شغب في 48 دولة، من بينها موزامبيق، حيث اشتبك مثيرو الشغب مع الشرطة، وهيتي، حيث أطاح المسؤولون برئيس الوزراء بعد أسبوع من المظاهرات. نادراً ما تكون أسعار الغذاء هي المظلمة الوحيدة، ولكنها يمكن أن تشعل نار السخط الشعبي. كانت واحدة من أكبر المظاهرات في التاريخ الأفريقي الحديث، إحتجاجات الخبز التي استمرت ثلاثة أيام في مصر عام 1977، وأدت إلى وفاة أكثر من 800 شخص. كتبت إيمي سيمونز تقول في تقرير لمركز وودرو ويلسون، “إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية قد يوفر حافزاً للناس للتعبير عن مظالمهم الكامنة تجاه ظروف أخرى تؤثر على أمنهم الغذائي- مثل فرص العمل، أو الدخل، أو سياسات الحكومة. وحيثما كان هناك فشل في الحكم، كما هو الحال في الصومال، تصبح ندرة الغذاء والمجاعة جزءاً من حلقة مفرغة من عدم الاستقرار، مع انعدام الأمن الغذائي الناجم عن والمساهم في الجولات المتكررة للنزاع المسلح”. شاحنة مكدسة تسير عبر مخيم آساغا للاجئين في ديفا بالنيجر، في أيار/ مايو 2016، بالقرب من الحدود النيجيرية. شرّدت جماعة بوكو حرام أكثر من 240000 شخص في جنوب شرقي النيجر، مما وضع ضغوطاً على الإمدادات الغذائية. وكالة الأنباء الفرنسية وبالمثل، يندلع الصراع عندما يكون الحصول على الأراضي للزراعة أو تربية الماشية للرعي محدوداً. وعبر منطقة الساحل، يجبر هطول الأمطار المتفرقة وزحف الصحراء الرعاة الرحّل على الانتقال إلى مسافات أبعد وأبعد بحثاً عن المراعي. وهذا التنقل يضعهم في مواجهة مباشرة مع المزارعين الذين يفلحون أرضهم. أدى هذا التنافس على الموارد الشحيحة إلى مصادمات عنيفة بين رعاة الفولاني والمزارعين في نيجيريا، ومزارعي البامبارا ورعاة البيل في مالي، ومزارعي البوكومو ورعاة الماشية من قبيلة أورما في كينيا. ووفقاً لمنظمة إس بي إم للاستخبارات، فقد وقع 371 اشتباكاً بين الرعاة والمجتمعات الزراعية في نيجيريا وحدها منذ عام 2011. ووجدت المنظمة أن الهجمات بين الجماعات المدججة بالسلاح تكلف البلاد نحو 14 مليار دولار سنوياً. الغذاء كسلاح حرب يُعد قطع الإمدادات الغذائية عن المدنيين واحدة من أكثر الطرق فعالية واستهجاناً للسيطرة عليهم. وعلى مر التاريخ، استخدمت الحكومات، والجيوش والجماعات المتمردة الغذاء كوسيلة لمكافأة الفلاحين على ولائهم ومعاقبة أولئك الذين يتمردون عليها. درس الباحث أليكس دى وال جهود المسلحين الجنجويد السودانيين للسيطرة على سكان دارفور في مطلع القرن الحادي والعشرين عن طريق تدمير المزارع وقتل الماشية. ووصف تلك المحاولات بأنها “مكافحة رخيصة للتمرد”، مضيفاً أن “المجاعة والأرض المحروقة [أصبحت] سلاحهم المفضل”. وفي منتصف تسعينات القرن العشرين، صاغت الباحثة إلين ميسير مصطلح “حروب الغذاء” لوصف هذا التكتيك. ووجدت في دراساتها أن المسلحين كانوا يستخدمون هذا النوع من السيطرة الغذائية في 18 دولة أفريقية في ذلك الوقت. كتبت ميسير تقول، “إن المتنافسين يقومون بتجويع خصومهم من أجل إخضاعهم عن طريق مصادرة أو إتلاف المخزونات الغذائية أو الماشية، أو غيرها من الأصول في المناطق الريفية ومن خلال قطع مصادر الغذاء أو الأرزاق، بما في ذلك تدمير الأسواق. كما يقومون بتلغيم أو تلويث الأراضي وموارد المياه، لإجبار الناس على المغادرة وتثبيط عودتهم”. ماذا يمكن عمله؟ أثبتت عدة استراتيجيات وأدوات فعاليتها في تحسين الأمن الغذائي والحد من العنف في البلدان المعرضة للصراع ونقص الغذاء. • شبكات الإنذار المبكر: تجمع مثل هذه النظم المعلومات عن أسعار الأغذية، وتوفرها والظروف الزراعية من طائفة واسعة من المصادر حتى تستطيع الهيئات الحكومية التكهن بنقص المواد الغذائية وصدمات الأسعار. • تدخلات الأسعار: تقدم العديد من الدول دعماً لبعض السلع الأساسية لمنع التقلبات الكبيرة في الأسعار بالنسبة للمزارعين والمستهلكين. ومع ذلك، فإن السياسة الاقتصادية الحذرة مطلوبة. فالدعم السيئ التطبيق يمكن أن يربك الأسواق على نحو ضار أو يصبح غير مستدام مالياً على المدى الطويل، مما يؤدي إلى مزيد من الصراع متى تم الرجوع عنه. • بناء المرونة: تشمل استراتيجيات المرونة تنويع وتدوير المحاصيل، وتحديث الممارسات الزراعية، وإضافة شركات زراعية مساعدة، وتنظيم الجمعيات التعاونية لمساعدة المزارعين في الاستعداد للسنوات العجاف. • الإدارة المشتركة: مشاريع رائدة في إثيوبيا، حيث كان العنف بين الأعراق والطوائف حول الموارد البرية أمراً شائعاً، أظهرت نجاحاً. أثبتت هذه المشاريع أنه عندما تتشارك المجتمعات التي كانت متخاصمة في إدارة الأرض واتخاذ قرارات مشتركة بشأن الموارد الطبيعية، تقل حالات العنف. • حماية المزارعين: تبيّن الخبرات في العديد من البلدان أن المزارعين هم من بين أكثر أفراد المجتمع عرضة لهجمات الجماعات المتمردة. ويجب أن يدفع فهم الدور الهام الذي يلعبه المزارعون والرعاة في تعزيز الأمن الإنساني، الجيوش إلى وضع أمر حمايتهم في أعلى قائمة الأولويات.