فيسبوك تويتر لينكدإن بينتيريست البريد الإلكتروني تُبذل جهود في الصومال وأماكن أخرى لحماية المدنيين في بعثات حفظ السلام فيما حاولت قوات الاتحاد الأفريقي استعادة العاصمة الصومالية مقديشيو من متمردي حركة الشاب، واجهتها معضلة قاتلة. فحركة الشباب كانت قد رسّخت أقدامها في سوق البكارة بالعاصمة، على رأس تلة بالحي التجاري بالمدينة. وأخذ المتمردون يجندون أعضاء من المنطقة الكثيفة السكان، ويبتزون أموالاً من التجار، وحفروا خنادق عميقة حول السوق لمنع دخول الدبابات والعربات العسكرية، حسب ما ذكرته إذاعة صوت أمريكا عام 2011 عربة مدرعة للواء قوة التدخل التابعة للأمم المتحدة تمر بالقرب من غوما في جمهورية الكونغو الديمقراطية. اللواء مفوّض بملاحقة المتشددين المسلحين والتخفيف في نفس الوقت من تعرض المدنيين للخطر]. وكالة الأنباء الفرنسية/ صور غيتي] وصرح رشيد عبدي، وهو محلل صومالي في مجموعة الأزمات الدولية التي تتخذ من بروكسيل مقراً لها، لصوت أمريكا بأن “المشكلة تكمن في أن سوق البكارة منطقة بالغة الصعوبة. فهي متاهة مكدسة بأكشاك متزاحمة. وتعج بالبشر، والتجار، والمتسوقين. إنه مكان يصعب كثيراً السيطرة عليه، وقد استخدم أعضاء الشباب سوق البكارة في شن هجمات بقذائف الهاون على مواقع الحكومة”. في عام 2010 صرح مسؤولون أمريكيون ومن الاتحاد الأفريقي صحيفة وول ستريت جيرنال، بأنه عندما أطلقت حركة الشباب قذائف الهاون على قوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال من داخل السوق، ردت قوات البعثة على النيران بالمثل. وقال مسؤول من الاتحاد، “إن لدينا مشكلة في الرد على النيران. لقد باتت قضية خطيرة حقيقية”. إذ لا تزال كيفية المشاركة في مهمة حفظ السلام التي تزداد تعقيداً وحماية المدنيين في نفس الوقت، أو على الأقل عدم إلحاق الأذى بهم، تؤرق الجنود، والسياسيين والعاملين في المجال الإنساني. وقد لخص أمين عام الأمم المتحدة بان كيمون هذه القضايا في خطاب ألقاه أمام مجلس الأمن في حزيران/ يونيو 2014 قال، “إن عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة مفوضة على نحو متزايد بالعمل في أماكن لا يوجد بها سلام للمحافظة عليه. إننا نرى مستويات كبيرة من العنف في دارفور، وجنوب السودان، ومالي، وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث يعمل أكثر من ثلثي جميع أفرادنا من الجيش والشرطة والمدنيين”. وقال إن “عمليات حفظ السلام تعمل على نحو متزايد في بيئات أكثر تعقيداً تتضمن تهديدات غير متماثلة وغير تقليدية”. إعطاء الأولوية لحماية المدنيين أضافت الأمم المتحدة عام 1999 بنداً لحماية المدنيين من العنف الجسدي لبعثة الأمم المتحدة للمساعدة في سيراليون، وكانت أول مرة تُمنح بعثة لحفظ السلام مثل هذا التفويض. يسار: أفراد حفظ سلام من أعضاء بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية يدافعون عن قاعدة كيوانجا ضد متمردي إم 23 في عام 2012. بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية إذ ينص قرار مجلس الأمن 1270 على أن “بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في سيراليون قد تتخذ الإجراءات اللازمة لضمان أمن وحرية التنقل لأفرادها، وفي حدود قدراتها ومناطق انتشارها، لتوفير الحماية للمدنيين المعرضين لتهديد وشيك بالعنف الجسدي”. وبعد عشر سنوات، بدأ مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية وإدارة عمليات حفظ السلام في النظر بشكل وثيق في سياسات الأمم المتحدة تجاه حماية المدنيين. ووجدا أن “الأمانة العام للأمم المتحدة، والدول المساهمة بقوات عسكرية وقوات شرطة، والدول المضيفة، والجهات الإنسانية الفاعلة، وخبراء حقوق الإنسان، والبعثات نفسها لا تزال تجاهد لتحديد ما تعنيه عملية حفظ سلام لحماية المدنيين، من حيث التعريف والممارسة”. وخلص التقرير إلى الثغرات التالية في سياسات حماية المدنيين على المستوى الميداني: • غياب استراتيجية على المستوى الكلي للبعثة: على الرغم من أن مختلف البعثات تتولى تطوير أدواتها واستراتيجياتها الخاصة، فإنها تميل إلى أن تكون “تصوراتها وتفصيلاتها مبنية على دراسة كل حالة على حدة”. • مسائل القيادة: فهم وتحديد أولويات حماية المدنيين غير متناسقين. • الهياكل والموارد: لا يمكن للتفويضات والبعثات أن تنجح إذا لم تكن العملية مجهزة أو مزودة بالموارد التي تحقق أهدافها. • جمع المعلومات وتحليلها أمر بالغ الأهمية: ليس لمعظم البعثات القدرة على جمع وتحليل المعلومات لمواجهة التهديدات أو التكهن بالتصعيد المحتمل في أعمال العنف. وتعد المعلومات عنصراً رئيسياً، وإيجاد وسيلة لجمع، وتحليل والرد على بيانات بشأن الضرر الذي يلحق بالمدنيين، هو ما عملت عليه مجموعة في الصومال بالتعاون مع بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال. ويُطلق على هذا الجهد خلية تحليل تتبع ما يلحق بالمدنيين من أذى والاستجابة له. تتبع أذى المدنيين في الصومال قالت مارلا كينان، المديرة الإدارية لمركز المدنيين في الصراعات، إن مجموعتها بدأت العمل في أفريقيا عام 2010. في ذلك الوقت، كانت بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال تحاول استعادة مقديشيو وبقية أنحاء البلاد من متطرفي حركة الشباب. وكثيراً ما كان يسفر القتال في المناطق المأهولة بالسكان عن إلحاق أذى بالمدنيين، يتراوح بين الإصابة والوفاة وبين النزوح والإضرار بالممتلكات. ضباط أوغنديون يعملون مع بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال يقفون إلى جوار كومة من قذائف مدفعية عيار 155 مم تم العثور عليها في بيت في عمق سوق البكارة في مقديشيو عام 2011. أسوشييتد برس قالت كينان إن زملاءها بدأوا بالحديث إلى المدنيين في مخيمات داداب للاجئين في كينيا عن الكيفية التي أثرت بها العملية عليهم. كما تحدثوا إلى العاملين في المجال الإنساني وجمعوا بيانات في تقرير تم توزيعه على الاتحاد الأفريقي، وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال وجهات الاتصال بالمنظمات غير الحكومية. وبعد فترة وجيزة، اتصل جنرال بريطاني يعمل مع بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال بالمركز لصياغة سياسة النيران غير المباشرة. كان معظم المدنيين الذين أصابتهم قوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال ضحايا نيران غير مباشرة، كتلك الناجمة عن معارك تتمحور حول سوق البكارة. وغياب التتبع يجعل من المستحيل تحديد عدد المدنيين القتلى أو الجرحى نتيجة عمليات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال أو حركة الشباب. ومع ذلك، كتب والتر لوتزى وإيفون كاسومبا مقالاً عام 2012 عنوانه “بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال وحماية المدنيين في الصومال” جاء فيه أن تقريراً أظهر أن ما لا يقل عن 1400 مدني قتلوا في النصف الأول من عام 2011 وحده. بينما أشار تقرير آخر إلى أن ما يصل إلى 4000 مدني أصيبوا أثناء نفس الإطار الزمني. كتب لوتزى وكاسومبا يقولان إن الطرفين اعتمدا على نيران المدفعية، مما عرّض أرواح المدنيين وممتلكاتهم للخطر. وأضافا أن “حركة الشباب استغلت هذا التكتيك، بإطلاق قذائف الهاون على مواقع بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. عندئذ استخدمت المدنيين كدروع بشرية عندما ردت بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال على النيران بالمثل”. قالت كينان لمجلة أيه دي إف، إن بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال فريدة في نوعها، لأن لديها تفويضاً بالهجوم لملاحقة حركة الشباب. وهي في نواح كثيرة، أشبه ما تكون بعملية مكافحة تمرد. وهذا السياق يجعل خلية تحليل تتبع ما يلحق بالمدنيين من أذى والاستجابة له في غاية الأهمية. قالت كينان، إنه على الرغم من أن هذه تبدو مسألة تقنية، فإن خلية التتبع هي في المقام الأول نظام قائم على الناس. ويُتوقع من أولئك الذين يشكلون الخلية أن يفهموا أثر العمليات وينقلوا المعلومات من مختلف المناطق. عندئذ يمكن تحليل تلك المعلومات للسماح بإجراء تعديلات في الميدان لتجنب الإضرار بالمدنيين أو معالجة الأضرار التي تحدث بالفعل. ويمكن إرسال المعلومات المجمعة إلى قائد القوة. جندي أوغندي يعمل مع بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال يجري أمام امرأة صومالية في طريقه إلى عربته المدرعة في أفغوي، إلى الغرب من مقديشيو. قامت قوات الجيش الوطني الصومالي بتحرير أفغوي وسكانها من قبضة حركة الشباب في أيار/ مايو 2012. الاتحاد الأفريقي/ فريق الأمم المتحدة لدعم المعلومات وكان يُتوقع أن تصبح خلية التتبع جاهزة للعمل قبل نهاية عام 2014. وكانت كينان متفائلة بشأن قدرة الخلية على التقليل من الأضرار التي تلحق بالمدنيين بسبب النجاح المرتبط بسياسة النيران غير المباشرة، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2011 وتقضي هذه السياسة بإقامة مناطق عدم إطلاق نار في المناطق الكثيفة السكان. وقالت، “عندما صدرت توجيهات تكتيكية بشأن الأمور التي كانت تلحق الأذى بالمدنيين، انخفض حجم الإضرار بالمدنيين. لذلك، فإن هذه السياسات وهذه الممارسات هي في الواقع بالغة الأهمية، وأثبتت أنها تقلل من الأضرار التي تلحق بالمدنيين”. العمل في جمهورية الكونغو الديمقراطية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أقنع المركز الأمم المتحدة بأن يشمل تفويض قوة لواء التدخل صياغة تتحدث عن تخفيف المخاطر عن المدنيين. وهذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها تفويض حفظ سلام بالخطر الذي يتعرض له المدنيون جرّاء أعمال لواء التدخل. يقول التفويض إن لواء التدخل سوف يعمل على “أن يضمن داخل منطقة عملياته الحماية الفعالة للمدنيين المعرضين لخطر العنف الجسدي، بما في ذلك القيام بدوريات نشطة، وإيلاء اهتمام خاص بالمدنيين المتجمعين في مخيمات نازحين أو لاجئين، والعاملين في المجال الإنساني والمدافعين عن حقوق الإنسان في سياق صدورها عن أي أطراف ضالعة في الصراع، وتخفيف الخطر عن المدنيين قبل، وأثناء وبعد أي عملية عسكرية”. لقد ظلت المنطقة الشرقية من جمهورية الكونغو الديمقراطي تعج لسنوات بالصراع من مختلف الفئات، بما في ذلك المتمردون إم 23، وجيش الرب للمقاومة والقوات الديمقراطية لتحرير رواندا. أنشأ مجلس الأمن الدولي لواء التدخل في آذار/ مارس 2013 ليضم ثلاث كتائب مشاة، ووحدة مدفعية، وفرقة قوات خاصة وسرية استطلاع ومقر قيادة في غوما للعمل تحت قيادة الأمم المتحدة. وتقول الأمم المتحدة إن اللواء ينفذ عمليات هجومية “بطريقة قوية، ومتنقلة ومتنوعة إلى حد كبير” من أجل تشتيت الفصائل العنيفة. وقد تم تمديد بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية وتفويض اللواء حتى 31 آذار/ مارس 2015 غير أنه في بعض الأحيان لا تلحق المدافع، ونيران المدفعية وما تسببه من أضرار الأذى بالمدنيين. إذ يمكن لبعثات حفظ سلام ضخمة مثل بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، أن تجلب آلاف الجنود ومئات الموظفين إلى مدينة ما، مما يغير التوازن الثقافي والاقتصادي بها. النهج في مالي إن بلداً مثل مالي يمثل بعض هذه التحديات الأخرى بالنسبة للمدنيين. فالبعثة مخولة بأن تضم 12640 عسكرياً ونشرت نحو 9300 اعتباراً من 31 آب/ أغسطس، 2014 وبعثة بهذا الحجم يمكن أن تغيّر الديناميات الاقتصادية في مدينة أو منطقة. فأسعار الأغذية يمكن أن ترتفع، والمياه يمكن أن تصبح شحيحة، وتزداد أسعار المساكن- بل إن حركة المرور تتغير. ويمكن إضافة هذه العوامل إلى الإضرار المحتملة بالممتلكات والأذى الجسدي الذي يؤثر على المدنيين. ساعد مركز المدنيين في الصراعات في إقناع الأمم المتحدة، من خلال إدارة عملية حفظ السلام، بإنشاء منصب “مستشار تخفيف المخاطر عن المدنيين” في بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي. وصفت كينان المنصب بأنه خلية تتبع ضحايا مشكلة من فرد واحد. يعمل هذا الشخص مع مركز التحليل المشترك للبعثة، ومركز العمليات المشتركة، وفرق حقوق الإنسان والحماية من أجل جمع معلومات عن الأضرار التي تلحق بالمدنيين. ونظراً لأن بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي لا تضم العديد من العمليات الهجومية، فإن المنصب يمكن أن يركز على طائفة أوسع من الأضرار. وهذا المنصب فريد في نوعه بالنسبة لبعثة حفظ سلام. ومع ذلك، لم يتم شغله منذ خريف 2014 أكثر من مجرد الوقاية اتخذت بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال خطوات للحد من الأضرار التي تلحق بالمدنيين في الصومال، وتم تعزيز هذا الالتزام على أعلى مستويات البعثة والاتحاد الأفريقي. ففي عام 2012، قال السفير بو بكر غاوسو ديارا، الممثل السابق للجنة الاتحاد الأفريقي للصومال، إن السلطات سوف تحقق وتصحح أي تقارير موثوق بها عن تعرض المدنيين لأضرار عشوائية. قال ديارا، “إن بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال تأخذ مسؤوليتها عن سلامة شعب الصومال على محمل الجد وتفهم تماماً التزاماتها للقيام بعمليات دون أن تعرّض السكان المحليين لمخاطر غير ضرورية. ونحن نحث جميع القوات العسكرية الأخرى الناشطة في جنوبي الصومال على ممارسة ضبط النفس الواجب في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية”. عضو أوغندي في وحدة الشرطة المشكلة لدى بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال يحيي أطفالاً أثناء دوريته في حي كعران بمدينة مقديشيو في عام 2012. الاتحاد الأفريقي/ فريق الأمم المتحدة لدعم المعلومات قالت كينان إن حماية المدنيين تتجاوز مجرد الحيلولة دون الأذى الجسدي أو خسارة الممتلكات. إذ يجب أن تشتمل على التدابير الفعالة على وسائل تعويض. ويمكن أن تأتي هذه الوسائل في شكل “اعتذار، ولفتات كريمة، ودفعات نقدية، وعرض تعويضات عينية على العائلات المتضررة كوسيلة للقول بأن ’هذا لم يكن قصدنا، ونحن نعترف بمسؤوليتنا عن إلحاق الضرر‘”. مثل تلك اللفتات تنسجم مع ما قد تفعله القبائل والجماعات الصومالية إذا أضر شخص بآخر. ووسائل التعويض هي أيضاً طريقة فعالة للحفاظ على شرعية البعثة في عيون المدنيين. قالت كينان، “إن إيذاء المدنيين سيضر بالبعثة. ومن الصعوبة بمكان معرفة قدر ما يعود عليك جرّاء ذلك الرأي العام السلبي”. وإذا حاول الجنود تحاشي إلحاق الضرر ومعالجة الضرر الذي تسببوا فيه، فمن شأن ذلك على الأرجح أن يساعد أفراد حفظ السلام في تحقيق ” مهمتهم القصوى”.