فيسبوك تويتر لينكدإن بينتيريست البريد الإلكتروني تتدفق المياه عبر طائفة منوعة من تحديات الأمن البشري في أفريقيا أسرة أيه دي إف بحيرة تشاد التي تقع بالقرب من القلب الجغرافي لأفريقيا يمكن النظر إليها كرمز للتحديات المائية غير العادية التي تواجه القارة الأفريقية. فهذه البحيرة التي كانت مياهها تتهادى لقرون على شواطئ ما يعرف الآن بالكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا، أصبحت الآن مجرد ظل لما كانت عليه في السابق. فقد انكمشت المساحة الكلية لبحيرة تشاد فيما بين عامي 1963 و2001 من 25 ألف كيلومتر مربع إلى 1350 كيلومتر مربع. وتضافرت عدة عوامل في حدوث ذلك الانخفاض الحاد، مثل الافراط في الرعي، والاستخدام، والتغير المناخي، ومشروعات الري غير الدائمة في الدول المطلة على البحيرة. ونظراً لأن سبل معيشة السكان المحيطين بالبحيرة، والذين يقدر عددهم بحوالي 30 مليون نسمة في الدول الأربع المطلة عليها، مرتبطة بشكل لا ينفصم عن بحيرة تشاد. إن انكماشها جاء بأثر بالغ السوء بالنسبة لأحوال هؤلاء المواطنين. فعلى سبيل المثال، بدأ المزارعون ورعاة الماشية يحولون مياه البحيرة لاستخدامها لأغراضهم بشكل متزايد على حساب صائدي الأسماك الذين يعتمد رزقهم على الصيد من البحيرة وفقاً لشبكة الشراكة الدولية في المياه. كتب ديفون كاندش خبير الشؤون الأفريقية في موقع آفريكان آرغيومنت يقول، “فيما خسر المواطنون في حوض بحيرة تشاد مصادر دخلهم، اضطروا للانتقال إلى مناطق محيطة لا ترحب بهم، حيث أدى انتقالهم إلى ارباك الحكم المحلي والمؤسسات الاجتماعية واتاحة الفرصة لشبكات غير مشروعة، بالإضافة إلى خلق تجمعات للشباب المصدومين والمهمشين”. وتجعل هذه الظروف تلك المنطقة أرضاً خصبة لنمو خطر آخر: بوكوحرام. مواطنون في بوبويا بجنوب أفريقيا، التي تأثرت تأثرت بشكل بالغ بالجفاف، ينتظرون في صف للحصول على المياه مجاناً من نقطة لتجميع المياه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.وكالة الأنباء الفرنسية/ صور غيتي توفر منطقة بحيرة تشاد وحدها مثالاً لكيفية تضافر عدد من العوامل المتعلقة بمصادر المياه في خلق مناخ غير آمن: فهذه البحيرة التي كانت تعج بالنشاط في الماضي تأثرت بالتغيرات المناخية في المنطقة؛ وبزيادة استخدام السكان لمياهها للتغلب على نقص المحاصيل وانتاج الماشية، ومع زيادة نضوب الموارد المائية؛ وما أدى إليه ذلك من الافتقار للأمن الغذائي والمشاكل الصحية والفقر، والهجرة وإزالة الأحراش؛ أدت كل هذه العوامل إلى تعريض السكان بشكل أكبر للجوء إلى العنف وإمكانية الانضمام إلى منظمات إقليمية متطرفة مثل بوكوحرام. عبء الوصول لموارد المياه مشاكل المياه موجودة في كل أنحاء أفريقيا، وتنعكس تلك المشاكل بأشكال مختلفة في مناطق الريف والحضر. كذلك تلعب أنماط الحكم وهياكل البنية التحتية والمناخ أدواراً كبيرة فيما يتعلق بعدم وفرة المياه وإمكانية الحصول عليها. ويمكن أن يشكل ضغط الحصول على قدر كاف من المياه عبئاً ثقيلاً، خاصة بالنسبة للعائلات المقيمة في الريف. فعلى سبيل المثال، تستخدم عائلة مقيمة في نابيتنغا في بوركينا فاسو حوالي 400 لتر من الماء يومياً خلال فصل الجفاف للاستحمام، والطهي، والشرب والرعي وفقاً لمنظمة ووترأيد غير الحكومية التي تتخذ من لندن مقراً لها. فبالنسبة للعديد من سكان المناطق الريفية، يتطلب الحصول على هذا القدر الكبير من المياه مشاركة أفراد الأسرة – غالباً ما تكون النساء والبنات – في السير لجلب تلك المياه من بئر بعيدة، أو بحيرة أو نهر. ويتولين بأنفسهن حمل تلك المياه إلى المنزل؛ ويمكن أن يصل وزن حاوية الماء الواحدة إلى أكثر من 18 كيلوغرام. وطبقاً لمصادر الأمم المتحدة المائية، فإنه في عام 2010، كانت هناك نسبة لا تقل عن 25 بالمائة من السكان في أكثر من عشرة دول أفريقية يمشون أكثر من 30 دقيقة ذهاباً وإياباً للحصول على الماء. ولفهم هذه الحقائق، تقول لايف ووتر إن السكان في منطقة الصحراء الأفريقية الكبرى وحدها يمضون 40 مليار ساعة في السنة في جمع ونقل المياه. ويعني ذلك أن سكان منطقة الصحراء الأفريقية الكبرى يقضون 4,6 مليون سنة في جمع المياه كل سنة. كتبت آنا سويثيس، رئيس قسم سياسة أمن المياه والغذاء في شركة ساب ميللر، لمنتدى الاقتصاد العالمي، تقول، “لنفكر في ما كان يمكن إنجازه في تلك الساعات إذا لم تكن هناك حاجة لانفاق ذلك الوقت يومياً في المشوار إلى البئر أو النهر؟ أو إذا تحررت المجتمعات من الحاجة للانتقال عبر تلك المسافات للبحث عن المياه في موسم الجفاف”؟ ولعل التكلفة والمجهود اللازم لمد شبكة مرافق البنية الأساسية إلى مناطق ريفية مترامية الأطراف أمر واضح، ولكن حتى تكلفة مدها في المناطق الحضرية يمثل مشكلة. وفي ظل عدم وجود بنية تحتية في المناطق الفقيرة من الحضر، يتعين على السكان، في أغلب الأحيان، جلب المياه من صنابير الاستخدام العام. وطبقاً لأطلس أفريكا ووتر، قد يدفع السكان في المناطق الفقيرة في كينيا ما بين خمسة إلى 10 أضعاف ما يدفعه سكان المناطق الغنية للحصول على المياه. وقد حققت ساحل العاج التي يقطنها 23 مليون نسمة بعض النجاح في العمل مع القطاع الخاص لتزويد المواطنين بخدمات المياه. ففي عام 1987، دخلت الحكومة في ترتيبات مع شركة ساحل العاج للمياه. وتنتج الشركة الخاصة 209 مليون متر مكعب من المياه من 500 طلمبة و70 محطة لمعالجة المياه؛ وتوفر مياه الشرب لحوالي 800000 مستهلك في أكثر من 700 مدينة وبلدة؛ كما توفر خدمات الصرف الصحي لحوالي 400000 شخص في ساحل العاج. مواطنون يملؤون حاويات المياه في مركز لبيع الماء في مجتمع ماكوكو للصيادين في لاغوس بنيجيريا. غالباً ما تدفع المجتمعات الفقيرة ثمناً مرتفعاً للحصول على المياه النقية. ويؤدي استخدام المياه غير النقية إلى وفاة آلاف الأشخاص في نيجيريا كل عام. رويترز وتضع الحكومة السياسة وتترك لشركة ساحل العاج للمياه إدارة خدمات المياه وفقاً لعقد مع الإدارة الحكومية لخدمات المياه. وتستخدم عائدات الضرائب على فواتير المياه في دعم توصيل المياه للمنازل، وطبقاً لبرنامج معالجة المياه التابع للبنك الدولي، فإن عائدات الضريبة التصاعدية المستندة إلى حجم استهلاك المياه توفر دعماً من كبار المستهلكين لصغارهم. وأخيراً، فإن شركة ساحل العاج للمياه ترخص إعادة بيع المياه في التجمعات السكانية غير الرسمية، ويسمح ذلك لها بالتأثير في التكاليف ومستوى الجودة في المناطق التي لا يسمح لها بالعمل فيها. نتيجة لذلك، فإن 93,1 بالمائة من مناطق الحضر في ساحل العاج يمكن للسكان فيها الحصول على مياه شرب محسنة، وهو ما ينطبق أيضاً على 68,8 بالمائة من سكان المناطق الريفية، وذلك طبقاً لذا وورلد فاكت بووك. المياه النقية تحسن الصحة على الرغم من التكاليف، فإن توفير مياه نقية يساعد الدول على تجنب تفشي الأمراض. ومن الواضح تماماً وجود علاقة ارتباط بين الأمراض وبين تعذر الحصول على مياه نقية في أفريقيا وهو ما يتأكد سنوياً في كافة أنحاء القارة خلال مواسم الأمطار. وطبقاً لمشروع المياه، فإن 783 مليون شخص لا يمكنهم الحصول على مياه نقية، و 37 بالمائة من هؤلاء يعيشون في الصحراء الأفريقية الكبرى. وفي نيجيريا وحدها، تقدر ووترأيد أن عدد من لاقوا حتفهم بسبب المياه غير النقية وصل إلى 73000 شخص في عام 2014 – وهو ما يعادل سبعة أضعاف من ماتوا نتيجة تفشي مرض الإيبولا في غرب أفريقيا. يموت الآلاف عبر القارة كل عام بسبب أمراض معروفة بانتقالها عبر المياه غير النقية مثل الكوليرا والاسهال. وشهدت غينيا- بيساو 14303 حالة للكوليرا خلال موسم الأمطار عام 2005، توفى منهم 252، طبقاً لأطلس أفريكا ووتر. وتقدر منظمة الصحة العالمية أن نسبة تصل إلى 0,75 من حالات الاسهال تحدث لكل شخص في أنحاء العالم كل عام. غير أن المعدل في منطقة الصحراء الأفريقية الكبرى هو الأعلى على مستوى العالم حيث يصل إلى 1,29 حالة لكل شخص سنوياً. ويمكن الربط بين أمراض مثل الملاريا، ودودة غينيا، والعمى النهري الطفيلي وحمى فيروس لاسا وبين المياه غير النقية وتلوث المصادر المائية. ومرض البلهارسيا ينتشر عن طريق قواقع الماء العذب وهو منتشر في معظم أنحاء القارة. واعتباراً من عام 2008، كان هناك 75 بالمائة من سكان 31 دولة في أفريقيا يستخدمون مياه شرب محسنة. ولكن كانت النسبة أقل من 40 بالمائة في دولتين، حيث بلغت النسبة في أثيوبيا 38 بالمائة، وفي الصومال 30 بالمائة. كانت الحرب الأهلية في الصومال أحد الأسباب الرئيسية للافتقار إلى المياه النقية. المياه غالباً ما تكون سبباً مركزياً للصراع نظراً لندرة موارد المياه في العديد من أرجاء أفريقيا، فليس من قبيل المفاجأة أن نرى المياه سبباً رئيسياً للصراعات. تندلع الاشتباكات تقليدياً في سياقين: في التنافس بين مصالح المزارعين ورعاة الماشية، وعندما تستهدف جماعات العنف المتطرفة مصادر المياه وتلحق بها الضرر بهدف التحكم في السكان والأراضي. وهذا النوع من أعمال العنف يمارس أكثر التأثيرات الفورية على أمن البشر وقوات الأمن القومي. كتب كنودسن لأفريكان آرغومنت يقول، أن جماعة الشباب التي تتخذ من الصومال مقراً لها قد شنت ما أطلق عليه “الارهاب المائي” من خلال قطع مصادر المياه عن المدن التي تسيطر عليها الحكومة. رعاة الماشية في توركانا يحملون بنادقهم بالقرب من باراغوي بكينيا، في كانون الثاني/ يناير 2016. غالباً ما يجد رعاة الماشية والمزارعون أنفسهم في نزاع بسبب التنافس على الأرض والماء. رويترز وعندما تتعرض المجتمعات للجفاف والمجاعة، يصبح بإمكان جماعات مثل الشباب أن تتقدم وتوفر معونات الإغاثة، وتستغل المجتمعات السكانية في غياب دور الحكومة. كتب كنودسن يقول، “من أكثر نشاطات جماعة الشباب تأثيراً في ‘كسب العقول والقلوب’ تقديم خدمات الإمداد بالمياه للمزارعين والرعاة. وعلى الجانب الآخر فإن جماعة الشباب شكلت عقبة رئيسية أمام السماح بوصول المعونات الانسانية لأكثر المتضررين من المجاعة”. وتم استخدام تكتيكات مماثلة في الشرق الأوسط على أيدي تنظيم داعش الذي بات يشكل تهديداً متنامياً للقارة الأفريقية، خاصة في ليبيا. وفي واقع الأمر، فإن استخدام المياه كسلاح يعود على الأقل إلى الحرب العالمية الأولى، عندما فتحت مدينة نيوبوورت البلجيكية البوابات المقامة على نهر يسر وغمرت مقاطعة فلاندرز بمياه الفيضان لعرقلة تقدم الجيش الألماني. كما استخدم تنظيم داعش تكتيكات مماثلة في كل من العراق وسوريا. ففي آذار/ مارس 2016، ذكرت صحيفة دويتش فيلا الألمانية أن داعش سيطر على ستة من الثمانية سدود الكبرى المقامة على نهري دجلة والفرات وكان يشن هجوماً على سد آخر. قال توبياس فون لوسو، من معهد برلين للشؤون الدولية والأمنية لصحيفة دويتش فيلا، “من ناحية، فإن داعش يحجز مياه النهر للحفاظ على المياه ويجفف مناطق معينة، وبذلك فإنه يقطع إمدادات المياه عن قرى وتجمعات سكانية، ومن الناحية الأخرى، قام بإغراق مناطق أخرى لإجبار سكانها على الرحيل وتدمير سبل معيشتهم”. قال فون لوسو، أن داعش استخدم أيضاً تكتيكاً مائياً آخر: التلويث. ففي كانون الأول/ ديسمبر 2014، صب تنظيم داعش كميات من البترول الخام في موارد المياه جنوب مدينة تكريت بالعراق، مما جعلها غير صالحة للشرب. كما أن موارد المياه عادة ما تكون جوهر اشتباكات عنيفة على مستوى أصغر في أنحاء أفريقيا. ففي قرية أيتونوندو في المرتفعات الجنوبية لتنزانيا، اعتاد المزارعون ورعاة الماشية أن يكونوا على طرفي نقيض فيما يتعلق باستخدام المياه في ري المحاصيل الزراعية أو تغذية وشرب الماشية. وطبقاً لتصريح وكالة الأنباء الدولية في آذار/ مارس 2016، فإن “منطقة باواغا تعتبر واحدة من مناطق سلال الغذاء في تنزانيا حيث يزرع الفلاحون الذرة، والأرز والخضروات في الأودية فيما يحتفظ رعاة الماشية بحيواناتهم في المرتفعات. وعلى الرغم من التحديد الواضح للمناطق التي يسيطر عليها المزارعون وتلك التي يسيطر عليها الرعاة، نشبت اشتباكات متكررة بينهما”. والآن، يتوصل ممثلون عن الجماعات المتنافسة إلى السلام من خلال التفاوض بمساعدة منتدى الموارد الطبيعية التنزاني، وهي جماعة من جماعات المجتمع المدني. ويجتمع المزارعون مع الرعاة في أغلب الأحيان للتوصل إلى حلول لمشاكلهم. قال غودفري ماسي، منسق الجماعة لشؤون الاستثمار في الأراضي لوكالة الأنباء الدولية، “يتعين أن يدرك كل من المزارعين والرعاة أن هناك من يستفيدون ويستغلون الصراعات الدائرة بينهما ولا يرغبون في رؤية حل لها”. وقال إن تجدد الاشتباكات هي أعراض لعوامل خارجية تتعلق بالسعي لتحقيق مصالح أوسع نطاقاً في مجال الزراعة والحفاظ على الموارد. وقال ماسي، “هذا هو الملتقى الأول والوحيد الذي يجمع المزارعين ورعاة الماشية معاً لمناقشة القضايا التي تمسهم بصراحة وبدون خوف ولا مجاملة”. وفي خلال ستة أشهر منذ بداية الملتقى، انخفض عدد الاشتباكات العنيفة. قال دونالد مشوري، المشرف على أراضي منطقة أرينغا لوكالة الأنباء الدولية: “يظهر هذا أنه مهما كان الصراع عميقاً، فإنه يمكن التوصل إلى حل له بمجرد الحوار”.