فيسبوك تويتر لينكدإن بينتيريست البريد الإلكتروني تغير المناخ يمكن أن يتحد مع عوامل أخرى تؤثر على الأمن الإنساني أسرة أيه دي إف ليست الآثار العميقة والخطيرة للتغير المناخي في أفريقيا أكثر وضوحاً في أي مكان مما عليه في الصراع الدائر في دارفور. فالحرب المستعرة في المنطقة الغربية من السودان كثيراً ما يتم تبسيطها على أنه نزاع عرقي مزمن بين الرعاة العرب الرحّل والمزارعين الأفارقة السود. يروّج المؤلف هارالد ويلتسر لتفسير أكثر تعقيداً، تفسير “مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمشاكل البيئية”. في كتابه الذي صدر عام 2008 تحت عنوان حروب المناخ: لماذا سيُقتل الناس في القرن الحادي والعشرين، يطرح ويلتسر بالتفصيل نمطاً متنوعاً ومعقداً من الأحداث يمكن إرجاعه إلى عام 1984 على الأقل، حين ضرب الجفاف والمجاعة المنطقة. عائلة تسير مع الماعز والأغنام بحثاً عن الماء خلال الجفاف الناجم عن ظاهرة إلنينو في منطقة أرض الصومال شبه المستقلة بالصومال في نيسان/ إبريل 2016. رويترز كتب ولتسر يقول إنه في إطار التعامل مع الجفاف، “حاول المزارعون المستقرون حماية محاصيلهم الضئيلة من خلال منع ’العرب ‘من الوصول إلى حقولهم التي جفّت مراعيها. ونتيجة لذلك، لم يتمكن الرعاة الرحّل من استخدام مراحيلهم التقليدية، أو مسارات الرعي وأماكن التغذية….وهنا نرى بكل وضوح أن التغيرات التي يسببها المناخ كانت هي نقطة انطلاق الصراع”. وكما جرت العادة، فإن الأحداث ذات الصلة بالمناخ إما تسببت أو تفاقمت جراء ظروف أخرى. فالجفاف في غربي السودان دفع عشرات الآلاف من الناس إلى النزوح بسبب نقص الغذاء. زاد النمو السكاني المتزامن من الإفراط في استخدام الأراضي والموارد. استشهد ولتسر بدراسة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2007 جاء فيها أن النمو السكاني المفرط والضغوطات البيئية تضافرت في تأطير العنف بين “الأفارقة” و “العرب”. كتب ولتسر يقول، “لذلك، فإن الصراعات ذات الأسباب البيئية يُنظر إليها على أنها صراعات عرقية، بما في ذلك الأطراف المتصارعة نفسها. والانهيار البيئي يشعل التراجع الاجتماعي، ولكن معظم الجهات الفاعلة لا تعتبره كذلك”. ولهذا السبب وُصفت دارفور بأنها أول حرب مناخية. ووفقاً لبعض العلماء، فإن المناخ سوف يمتزج مع محركات أخرى مثل الفقر، والاقتصاديات والحكم غير الرشيد تؤجج الصراعات في أفريقيا لسنوات قادمة ما لم يتم عمل شيء ما. درجة الحرارة كمحرك للصراع في السنوات الأخيرة، أظهرت دراسات جديدة أن التغير المناخي قد يؤثر على السلوك البشري- بطريقة عنيفة. وفي ورقة بحثية عام 2009 تحت عنوان “ارتفاع درجة الحرارة يزيد من خطر الحرب الأهلية في أفريقيا”، توصل العلماء مارشال بيرك، وإدوارد ميغيل، وشانكر ساتياناث، وجون إيه. دايكيما وديفيد بي. لوبيل إلى أن هناك “روابط تاريخية قوية بين الحرب الأهلية ودرجة الحرارة في أفريقيا”. اجئ سوداني يمتطي حماراً عبر مجرى نهر جاف في شرق تشاد. فر مئات الآلاف من الصراع في دارفور، الذي سُمي بأول حرب مناخية. رويترز وعند النظر إلى التوقعات المناخية النموذجية لاتجاهات درجات الحرارة، وجد الباحثون أن “الاستجابة التاريخية لدرجة الحرارة تشير إلى وجود زيادة نحو 54% في حالات النزاع المسلح بحلول عام 2030، أو إضافة 393000 حالة وفاة في المعارك إذا كانت حروب المستقبل على نفس الضراوة القاتلة للحروب الأخيرة”. ويدعون الحكومات الأفريقية والجهات المانحة الأجنبية إلى إصلاح سياساتها للتعامل مع الارتفاعات في درجة الحرارة. وأرقام الدراسة صارخة ومثيرة، ولكنها لا تسرد بالضرورة القصة بأكملها، وفقاً للبروفسور جون أولافلين من جامعة كولورادو. فالعلاقة بين المناخ والصراع أكثر تعقيداً، حسب قوله. وبعد عدة سنوات من بحث عام 2009، قاد أولافلين، وهو أستاذ في الجغرافيا، فريقاً من الباحثين درس أكثر من 78000 نزاع مسلح فيما بين عامي 1980 و 2012 في منطقة الساحل، التي تمتد 3000 ميل من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي. ورغم أن الباحثين وجدوا أن درجات الحرارة الأعلى في الساحل تزيد من خطر الصراع بمرور الوقت، فإن عدة عوامل أخرى كانت في العادة أكثر تأثيراً من المناخ. وتشير دراسة أولافلين، وبحث منفصل وضعه نغونيدزاش مونيمو، أستاذ العلوم السياسية في كلية وليامز، وهو أصلاً من زيمبابوي، إلى أن التغير المناخي واحد من بين عدة متغيرات تتوحد في انتاج حالة عدم الأمان بين السكان. ويمكن لهذه المتغيرات أن تشمل نوعية الحكم، والعلاقات العنصرية والعرقية، والظروف الاجتماعية والاقتصادية، من بين أمور أخرى. ويقولان إنه من غير المرجح أن ينتج المناخ وحده صراعاً، ولكنه يمكن أن يرجح كفة الميزان نحو الاضطرابات. قال أولافلين، “إذا كان لدى حكومة ما موارد قليلة نسبياً لتوزيعها وتفضل جماعتها الخاصة، أو منطقتها الخاصة، وتتجاهل أو تميز في الأساس ضد مناطق أخرى ليست بالضرورة جزءاً من جماعتها السياسية، فإنها عندئذ تثير خطر النزاع”. لذلك فإن ما يحدث في الساحل هو نوع من “التأثير المضاعف لارتفاع درجات الحرارة جنباً إلى جنب مع هذه العوامل الأخرى التي نعرف أنها ترتبط ارتباطاً قوياً بخطر العنف”. استباق الظواهر المناخية هناك قول مأثور بأن “الجميع يتحدثون عن الطقس، ولكن لا أحد يفعل شيئاً حيال ذلك”. لقد كافحت البشرية لآلاف السنين ضد عدم القدرة على التنبؤ وشراسة الظواهر الجوية المفردة والتحولات المناخية الطويلة الأجل. والعنف نتيجة واحدة فقط لتغير المناخ في أفريقيا. ولهذه الظاهرة القدرة أيضاً على زيادة الفقر. يقول تقرير للبنك الدولي عام 2015 إن التغير المناخي سوف يدفع بأكثر من 100 مليون إنسان إلى الفقر فيما بين الآن وعام 2030. ويمكن أن تكون منطقتا آسيا وجنوب الصحراء الأفريقية الكبرى الأكثر تضرراً. ومع ذلك، وفيما يتجاوز تغير المناخ العالمي ببطء متوسط درجات الحرارة، سوف تستمر أنماط مناخية أخرى أكثر دورية في وضع ضغوط على الكثير من الدول الأفريقية. كان هذا جلياً بصورة خاصة في شرق وجنوب أفريقيا فيما وضعت ظاهرة إلنينو المنطقة في قبضة جفاف شديد وانعدام الأمن الغذائي. وإلنينو ظاهرة منتظمة تتميز بارتفاع درجات الحرارة بشكل غير عادي في المنطقة الاستوائية من المحيط الهادئ، يمكن أن تجلب الجفاف لبعض المناطق والأمطار المتواصلة لمناطق أخرى. وكان تكرار الظاهرة عام 2015 الأسوأ منذ 35 عاماً، حيث عاثت فساداً في أفريقيا لعدة أشهر. قال برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في شباط/ فبراير 2016، إن ظاهرة إلنينو يمكن أن تؤثر على 49 مليون شخص في الجنوب الأفريقي، حيث واجه 14 مليون إنسان خطر المجاعة بالفعل. وشهدت المنطقة أدنى هطول للأمطار منذ عام 1981. وطبقاً للأمم المتحدة، واجه قرابة 20 مليون شخص في شرق أفريقيا انعداماً حرجاً للأمن الغذائي في آذار/ مارس 2016. وفي إثيوبيا وحدها، سيحتاج 2,2 مليون طفل تحت سن 5 سنوات، وأم مرضعة وامرأة حامل لعلاج من سوء التغذية الحاد عام 2016، حسب برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة. وهذا رقم أكثر من ضعف العدد خلال عام 2015. أعضاء من اتحاد البلديات في جنوب أفريقيا يحتجون على القضايا ذات الصلة بالمياه في جوهانسبرغ في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015. يمكن أن تؤدي المشاكل المناخية إلى الاضطرابات وأحياناً العنف. وكالة الأنباء الفرنسية/ صور غيتي ويتطلب الجفاف- بغض النظر عما إذا كان ناجماً عن ظاهرة إلنينو- وما ينتج عنها من مجاعات، إجراء عاجلاً وحاسماً لتجنب الكوارث الإنسانية. قال مونيمو، من كلية وليامز، إن اثنتين من دول الجنوب الأفريقي تناولتا المشكلة بطرق متعارضة. قال إن زيمبابوي تتبع في العادة نهجاً تخصصياً لدى استجابتها للأزمات المناخية. ويجب إصدار إعلان رئاسي لتعبئة الجهود للتخفيف من حدة الجوع وغيره من العوامل الضاغطة. وتنتهي الاستجابة بانتهاء الأزمة. وعندما تقع الأزمة التالية، يتعين على المسؤولين أن يعيدوا اختراع العجلة فيما يتعلق بالتمويل وتشكيل فريق استجابة على مستوى وزاري. وفي بتسوانا المجاورة، المعروف أنها تخضع لحكم رشيد وخالية من الفساد، تم إدماج المسؤوليات في إطار العمل الوزاري للحكومة، التي هي دائماً على أهبة الاستعداد. والواقع أن الاستجابات جزء من وظائف المسؤولين الحكوميين. قال مونيمو لمجلة أيه دي إف “إذا كنت من الأسر المتضررة من الجفاف في زيمبابوي والأسر المتضررة من الجفاف في بوتسوانا، فإنك في زيمبابوي لا تعرف ذلك إلا في اللحظة التي تقول فيها الحكومة، ’حسناً، نحن ندرك الآن أن هناك جفافاً، وسوف نفعل كذا‘- أنت لا تعرف. أما في بتسوانا فأنت تعرف. تعرف أن هناك التزاماً ثابتاً بأن الحكومة سوف تستجيب حال وقوع جفاف. وثانياً، فإنك تعرف أيضاً ما ستفعله الحكومة. لذلك فإن ما فعلته بتسوانا هو أنها لم تكتب مجرد التزام بأنها سوف تستجيب للجفاف، ولكن الحكومة سوف تفعل كذا وكذا… لذلك فإنها تبدد ذلك الغموض”. إن الإجراءات التي اتخذتها بوتسوانا تخفف من وطأة المهام اللوجستية، وتجعل من الصعوبة بمكان التلاعب لمصلحة جماعة واحدة أو منطقة معينة. تشمل التدخلات الحكومية في بوتسوانا توفير الدعم والإعفاء الجزئي لقروض المزارعين، وبرامج تغذية للأطفال الذين يعانون سوء التغذية، وبناء حواجز لمنع حرائق الغابات، ومشاريع لتوفير المياه في حالات الطوارئ. إذا كان للجيش أي دور على الإطلاق في الاستجابة للكوارث المرتبطة بالمناخ، قد يكون الأنسب لمساعدة الحكومات على التغلب على التحديات اللوجستية لتأمين وتسليم المواد الغذائية والإمدادات الأخرى إلى السكان المتضررين. وفي معظم الدول الأفريقية، يُعد الجيش من المؤسسات القليلة ذات الخبرة والمعدات اللازمة لنقل الأشياء من مكان لآخر. كذلك قد تكون قوات الجيش والشرطة ضرورية لتأمين الإمدادات في مناطق الاضطرابات. وحتى في ذلك الحين، كما قال مونيمو، ينبغي أن يوضع في الاعتبار الدور التاريخي للجيش في بلد ما وكيف ينظر إليه المدنيون. فالجيش المتحزب المشارك في استجابة ما قد يأتي بنتائج عكسية. كما يتعين على المسؤولين في الحكومة والجيش أن يضعوا في الاعتبار المشهد العام لوجود الجيش في طليعة جهود الإغاثة. صناديق من الأغذية العلاجية، تستخدم في علاج حالات سوء التغذية الحادة، مكدسة في مستودع اليونيسيف في أديس ابابا، بإثيوبيا، في نيسان/ إبريل 2016. الجفاف في إثيوبيا هو الأسوأ منذ 30 عاماً. رويترز قال أولافلين، إن التغير المناخي، باختصار، هو قضية إنسانية أكثر من كونها قضية عسكرية. فالحكم الرشيد والمؤسسات القوية باستطاعتها مساعدة الدول في التخفيف من التهديدات الأمنية التي تظهر عندما يختلط المناخ بضغوطات أخرى مثل الفقر، والاقتصاديات، والجغرافيا والاختلافات الثقافية. أفريقيا تسد الثغرات في المعلومات المناخية قال أولافلين إن واحدة من نقاط الضعف في أفريقيا تتعلق بالشبكات المناخية عبر القارة. فأفريقيا لديها أسوأ شبكة للمناخ والطقس البري القاري في العالم. ومن الضروري وجود معلومات تفصيلية لرصد الاتجاهات والتغيرات في المناخ من أجل وضع الاستجابات وتحديد الإنذارات المبكرة المناسبة للأزمات. وقد عمل المسؤولون الأفارقة في السنوات الأخيرة على جمع وتبادل المعلومات أملاً في بناء القدرة لمواجهة الأحوال الجوية القاسية والتكيف مع التغير المناخي. تأسس المؤتمر الوزاري الأفريقي للأرصاد الجوية عام 2010 لتوفير القيادة وتوجيه السياسات بشأن معلومات الأحوال الجوية. يجتمع الوزراء الأفارقة كل سنتين لمناقشة المسائل المتعلقة بالطقس وكيفية ارتباطها بالتنمية. وتعمل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بمثابة أمانة عامة للجنة الاتحاد الأفريقي. ويروج المؤتمر الوزاري الأفريقي للأرصاد الجوية للتعاون السياسي بين الدول الأعضاء، وتبادل المعلومات في سبيل التقليل إلى أدنى حد من آثار التغير المناخي والأحوال الجوية الحادة. وطبقاً للمؤتمر الوزاري الأفريقي للأرصاد الجوية، فإن الطقس والمناخ يسببان 90 بالمائة من الكوارث حول العالم، ويزهقان الأرواح ويخنقان التنمية. وفيما بين عامي 1980 و 2010، أدت 10000 كارثة إلى قتل 5,2 مليون إنسان وخسارة اقتصادية بلغت قيمتها 3,1 تريليون دولار. يمكن التقليل من هذه الخسائر إذا أتيح للسكان والحكومات وقت مناسب للحصول على معلومات موثوق بها حول المناخ والطقس. فعلى سبيل المثال، يمكن لمثل هذه المعلومات أن تكون ذات فائدة خاصة للمزارعين والمجتمعات الرعوية التي تسعى لمعرفة أين ومتى وماذا يمكنها أن تزرع. وقد وافق المؤتمر الوزاري الأفريقي للأرصاد الجوية على استراتيجية أفريقية متكاملة للأرصاد الجوية تقضي بوضع خدمات الطقس والمناخ في مركز التنمية الوطنية والإقليمية. وتركز الاستراتيجية على خمسة أركان، من بينها زيادة الدعم السياسي لخدمات الأرصاد الجوية والاعتراف بها؛ وتعزيز خدمات الطقس والمناخ للتنمية؛ وخدمات الدعم للتكيف مع التغير المناخي والتخفيف من آثاره. إن التغير المناخي لديه القدرة على الامتزاج بضغوطات الأمن البشري القائمة على نحو يقلب الموازين نحو العنف. ولكن حتى مع زيادة درجات الحرارة حول العالم، هناك ما يدعو إلى الأمل. قال أولافلين لمجلة أيه دي إف، “إن الرسالة الجاهزة لا تتعلق بالكآبة والعذاب، بقدر ما تتعلق بنوع الكارثة المحدقة التي تطل برأسها بسبب التغير المناخي. ويمكن عمل الكثير لمنعها. وبصراحة، فإن أفضل ما يمكن عمله هو تحسين طبيعة الحكم في أفريقيا ودعم الأنظمة الديمقراطية والعادلة”.