فيسبوك تويتر لينكدإن بينتيريست البريد الإلكتروني التوقير والاحترام والمصداقية العميد صالح بالا يناقش حاجة الجيوش الأفريقية إلى تبني ثقافة الاحتراف أمضى العميد المتقاعد صالح بالا 29 عاماّ في الجيش النيجيري، وقد سبق وأن شغل منصب رئيس هيئة الأركان العسكرية لبعثة الأمم المتحدة في كوت ديفوار ورئيس الأركان السابق لمركز مشاة الجيش النيجيري، وله حياة حافلة في تدريس أساسيات الاحترافية للجنود، ابتداء من طلاب الأكاديميات العسكرية وانتهاء بالضباط الذين في منتصف مسيرتهم العسكرية. وقد عمل كمدرس في مدرسة المشاة التابعة للجيش النيجيري وفي أكاديمية الدفاع النيجيرية وكان من بين فريق إدارة كلية القيادة والأركان التابعة للقوات المسلحة النيجيرية وكلية الدفاع الوطني، وبعد تقاعده في عام 2013 أسس شركة الأبحاث والتدريب والاستشارات White Ink Consult، وتحدث إلى ايه دي اف من مكتبه في أبوجا، وقد جرى تعديل محتوى هذه المقابلة لتناسب النشر. ايه دي اف: هل يمكنك أن تطلعنا على حدث مر بك في مسيرتك المهنية يؤكد أهمية الاحترافية العسكرية والسلوكيات الأخلاقية؟ وما الدروس التي استفدتها من هذا الحدث؟ العميد صالح بالا: كنت ثالث أكبر مسؤول عسكري في مقر الأمم المتحدة في أبيدجان بكوت ديفوار في عامي 2011 و2012، وتعين علي كضابطً عسكري أن أٌنسّق مع نظرائي المدنيين لأن مقر الأمم المتحدة يقوده مدنيون. لذلك تعلمت كيفية العمل والتعامل مع الثقافتين العسكرية والمدنية، حيث تتسم الثقافة المدنية بالبيروقراطية البالغة، وتتمحور الثقافة العسكرية حول القيادة، لقد أمضيت هناك مدة سنة ونصف شاقة للغاية، اختبرت فيها استيعابي وتدريبي على المستوى الاستراتيجي، إذ يجب إرساء التفاهم والتنسيق والتعاون والاتصال من أجل تحقيق التكامل في هذا المقر الهام. ايه دي اف: من هنا نفهم أنه كان يلزمك أن توازن بين الجيش الذي يستلزم نتائج سريعة والقيادة المدنية عبر اتباع إجراءاتها الخاصة، هل كانت هناك تحديات أخرى؟ العميد صالح بالا: لقد كنا أيضاّ البعثة الثانية بعد جمهورية الكونغو الديمقراطية التي كانت ميدان تجارب لسياسة الأمم المتحدة في حماية المدنيين، وقد جعلنا ذلك نتواصل بصفة دورية مع المنظمات غير الحكومية التي ترغب دائماّ في الحفاظ على حيادها بطريقة احترافية، ولم يرغبوا في أن يظهروا مع الجيش – وإلا فإن صورتهم الحيادية ستتلاشى في أذهان أطراف النزاع الأخرى، إلا أن سياسة حماية المدنيين تضمنت أيضاّ تكفلنا بمراعاة حرمة الطرق والمناطق المحررة والمناطق الآمنة التي يمكن لهذه المنظمات غير الحكومية أن تعمل فيها بفعالية، فكان علينا أن نقوم بهذا الدور بدون التأثير على سياستهم الحيادية الخاصة أو التدخل فيها، لقد كان موقفاّ صعباّ، لكننا تمكنا في نهاية المطاف من تحقيق تفاهم، فقد حققنا تنسيقاّ فعالاّ لتأمين المناطق التي بها أشخاص نازحين داخلياّ ولاجئين، وتمكنا من تأمين الطرق التي وفرنا الإغاثة الإنسانية عليها، ونسقنا كذلك مع الحكومة [الإيفوارية] لضمان إعادة الأمن المدني والإدارة إلى المناطق المحررة. ايه دي اف: بوصفك مدرب وموجه، كيف أدخلت قضايا الاحترافية والأخلاق في التدريب؟ جندي نيجيري يحرس المروحية الرئاسية خلال إحدى الفعاليات في ولاية كروس ريفر. رويترز العميد صالح بالا: لقد أتيحت لي فرصة المرور بالتدريب التكتيكي ثم العملياتي ثم الاستراتيجي وتزامنت هذه الفترة من خدمتي مع فترة انتقال نيجيريا من الحكم العسكري إلى الحكم المدني. كانت فترة حرجة ومثيرة حيث كان العالم ينتقل من عالم ثنائي الأقطاب إلى عالم القطب الواحد، فكانت فترة مررنا فيها بنقلة نوعية من الحروب بين الدول إلى الحروب داخل الدول. استدعى ذلك التأكيد على توافق العمليات العسكرية مع القانون الإنساني وقوانين النزاع المسلح، وانتقالاّ من المستوى التكتيكي إلى المستوى الاستراتيجي، كنت أستصعب تدريب الضباط على أن تكون لديهم غريزة لتحليل الأشياء بأسرع ما يمكن على المستوى التكتيكي لتحقيق نجاحات قتالية، أما على المستوى العملياتي، فقد صار من المهم وجود مزيج من التفهم للاعتبارات السياسية وحتى الدبلوماسية لدى القادة، لذلك كنا أثناء التنشئة والتدريب، ندخل التعليم السياسي النقدي والفهم الدبلوماسي لمجال العمليات العسكرية، وأدخلنا وحدات تدريبية لعمليات الأمم المتحدة الشاملة، بما في ذلك كيفية كتابة قواعد الاشتباك وفهم قوانين الحرب والقانون الإنساني مع التركيز على التعامل مع النازحين واللاجئين وعمليات الإغاثة وغير ذلك، فتعارض ذلك مع تلقين صغار الضباط غريزة مواجهة التهديدات وتدميرها، وهذا توازن دقيق، وأنا لا زلت أواصل مسيرتي حتى اليوم وأقدم الإرشادات والتوجيهات في أكاديمية الدفاع النيجيرية لشباب الطلاب الذين سيدخلون في هيئة الضباط. ايه دي اف: الفساد من الأمور التي تنتقد فيها الجيوش الإفريقية عند الحديث عن الاحترافية، وغالباّ ما يصاحب الفساد عمليات الشراء، هل لك أن توضح كيفية تجنب ذلك؟ العميد صالح بالا: أولاً، لا ينبغي أن يساء فهم إجابتي أو يساء تفسيرها إذا قلت أن السياسيين متسببين في الفساد الذي تسرب إلى الجيش، فقد ألحق الفساد الذي أصاب الجيش ضرراً كبيراً بالأخلاقيات والمبادئ الاحترافية، وهذا في الغالب يرجع للخوف على حياة ورفاهية القوات، وكم كنا نتألم ونحن نرى المعدات المتهالكة التي قد ينجم عن استعمالها عواقب وخيمة على حياة جنودنا وعملياتهم، وقد عايشنا ذلك على نطاق واسع في تمرد بوكو حرام، حين لم يجد جنودنا المتحمسين والمدربين تدريباّ جيداّ في أحد الأوقات حلاّ سوى الفرار من المتمردين، إنها مسألة معقدة ويصعب التعامل معها، أما في الوقت الحالي فلدينا اهتمامات جديدة ونظام جديد تدرك فيه وزارة الدفاع إدراكاّ تاماّ أن المستخدم النهائي وهو في حالتنا فرد الجيش هو المعني بتحديد المعدات المطلوبة، وهذا يحدث بعد إجراء اختبار وتقييم جاد وممارسة البحث والتطوير، بالاستناد إلى عملية تقييم التهديدات والتوجيهات المعنوية، كما يجب أن تكون تكلفة المعدات معقولة، مع تفهم الحاجة إلى التشغيل البيني بين القوات المختلفة لأن معظم العمليات في الوقت الحالي عمليات مشتركة، ومن ثم يجب أن تتوافق عملية شراء المعدات مع قابلية التشغيل البيني بحيث تتمكن القوات البرية من التواصل بفعالية ومشاركة المعدات مع القوات الجوية والبحرية والعكس صحيح، بل حتى مع القوات شبه العسكرية مثل الشرطة وحرس الحدود، فيتعين تنسيق الجهود، وإذا حدث ذلك وتحكمت وزارة الدفاع في عمليات الشراء، فهذا من شأنه أن يقوض الفساد. هناك أيضاّ سياسة جديدة متبعة عبر عقد اتفاقية مباشرة بين دولتين أو بين حكومتين لشراء المعدات العسكرية، وبذلك يتم تحجيم فرص إغراء أحد الضباط لإبرام صفقات مع متعهدين. ايه دي اف: اذكر لنا بعض العوامل التي تدفع الجيوش الإفريقية نحو الفساد، هل هناك ثقافة مؤسسية تحتاج إلى التغيير؟ العميد صالح بالا: يشكل الجانب الثقافي معضلة أخلاقية للضابط العسكري العادي، فبمجرد انضمامك للقوات المسلحة، تصير من النخبة في أعين مجتمعك، ويتعين عليك تسلق السلم الاجتماعي. ومن المتوقع أن تعود إلى مسقط رأسك لتسكن في منزل مريح للغاية، ومن المتوقع أيضاً أن تقود سيارة فاخرة، ومن المفترض أن تلحق أطفالك بأفضل المدارس، ومن المفترض أن يتحمل رسوم المدرسة والفواتير الطبية والسفر والزواج وإطعام عائلتك الكبيرة، هذا بالتأكيد لن يفي به راتبك الأساسي، وهذا يضع ضغطاّ كبيراّ على الضابط العسكري الإفريقي العادي، وعند التقاعد ليس لدينا خطة تقاعد قوية، فتجد نفسك تتقاعد عند رتبة عميد بنجمة واحدة، ومعاشك الشهري 600 دولار، فكيف يمكنك أن تعيش بهذا المبلغ؟ عندما كنت في الخدمة، كان راتبك يصل إلى 1300 دولار مع سكن مجاني وكهرباء مجانية وسيارة عمل، فكيف توازن بين كل هذا الضغط الاجتماعي والثقافي واحتياجات عائلتك؟ لذلك عادة ما يدفع الضباط عندما يقترب موعد التقاعد إلى طرق الفساد من أجل إيجاد شبكة أمان لأنفسهم. ايه دي اف: كيف يمكن تغيير ذلك؟ العميد صالح بالا: هناك جهود كثيرة تبذل في الوقت الحاضر داخل الجيش لتوفير بيئة أفضل للضباط بعد التقاعد، فلدينا نظام تقاعد مستقل، لم يتغير فيه الراتب تماماّ ولكنك على الأقل متيقن أنك في كل شهر سوف تحصل على معاشك، على عكس الماضي حين كان المتقاعد ينتظر سنة أو سنتين أو ثلاث بعد تقاعده قبل أن يبدأ استلام معاشه، كما بدأنا في نظام تأمين يوفر للمساهمين فيه التأمين الصحي، وهناك أيضاّ نظام إسكان يمكن المساهمة فيه خلال سنوات الخدمة، ويضمن للمساهمين مستوى إقامة في المكان الذي تنوي التقاعد فيه. لكن غلبة الفساد بين النخبة غير العسكرية لا تزال تشكل عامل جذب للضباط العسكريين؛ فصرت ترى اليوم من هو أقل منك رتبة بعد أن صار عضواّ في مجلس نيابي أو حاكماّ لولاية، قد صار قادراّ على السفر بالطائرات أو حتى امتلاك طائرات خاصة وسيارات باهظة الثمن والاستعانة برجال أمن يحيطون به، وهذا يجذب الضباط لاتباع سبل غير أخلاقية تخالف ما تلقوه في تدريبهم وتقاليدهم، إلا أن هناك جهوداّ دؤوبة تبذل لتدريب الطلاب العسكريين على تلك الأخلاقيات في كلية القيادة وكلية الدفاع، فضلاّ عن الضباط العاديون ومن هم في طور التدريب على مر السنين. ايه دي اف: على الرغم من التحديات، دائماّ ما تظهر استطلاعات الرأي التي تجرى في العديد من الدول الإفريقية أن الشعوب ترى الجيش من بين المؤسسات الأكثر احتراماّ، فما السر وراء هذا في ظنك؟ العميد صالح بالا: يرجع هذا في الأساس للثقافة المؤسسية والعقيدة التي يعتقدها عامة الناس في الجيش، فمن المعروف أن الجيش يتسم بالاحترام والاحترافية والالتزام بأخلاقيات صارمة، فالأوامر أوامر، والأكثر من ذلك أن الجيش دائماّ ما يكون منفصلاّ ومنعزلاّ عن عامة الناس، وهذه المسافة تعطي للجيش صورة عظيمة وحصينة جرى الحفاظ عليها على مدى العقود الستة الماضية في إفريقيا، على الرغم من الانحرافات التي صاحبت تاريخ التدخلات العسكرية في الحكم، وفي الجيش تنفذ الأوامر والمشاريع المحددة في إطار زمني قصير، وهذا يختلف كلية عن العملية المدنية والروتين المصاحب للاستشارات والعناية الواجبة والتقييم السياسي قبل أن يؤتي المشروع ثماره. ايه دي اف: كيف يحافظ الجيش على هذا الصورة في أعين المدنيين؟ العميد صالح بالا: يتعين على الجيش أن يحافظ على احترافيته من أجل الحفاظ على صورة الاحترام والتوقير ومصداقيته العامة في أعين السادة المدنيين، ومن ثم يجب عليه أن ينأى بنفسه ولا ينساق أبداّ إلى اتخاذ القرارات السياسية أو يتدخل فيها، كما يجب عليه التمسك بثقافته القائمة على الاستحقاق لاختيار الأفضل فقط في القيادة، ويتعين على الجيش أيضاّ أن يفسح المجال أمام الرقابة المدنية؛ ففي عدد كبير من الجيوش، بدون ذكر لأسماء الدول، مجرد كونك ابن الرئيس يعني تعيينك رئيساّ لأجهزة الاستخبارات أو رئيساّ لأركان الدفاع. وقد أصاب ذلك جيوش عدد من الدول ويؤدي إلى عدم فعالية هذه الجيوش في الاضطلاع بالعمليات في مختلف أنحاء القارة، ولكن هناك توجه عام يدرك ضرورة خضوع الجيش لحكم مدني، ويعمل من داخله على تصعيد الضباط وترقيتهم على أساس الاستحقاق.