فيسبوك تويتر لينكدإن بينتيريست البريد الإلكتروني أسرة أيه دي إف كانت تونس مهد الربيع العربي وتُعد منذ فترة طويلة نموذجاً للاستقرار والتعددية في منطقة شمال أفريقيا الملتهبة. ولكن في عام 2015، أثارت سلسلة من الهجمات فيها ضجة كبرى حول العالم. ففي 18 آذار/ مارس 2015 ، قتل ثلاثة مسلحين 22 شخصاً رمياً بالرصاص، معظمهم سياح أجانب، في متحف باردو الوطني في تونس العاصمة. وبعد ثلاثة شهور فقط، فتح مسلح عمره 23 سنة النار في منتجع شاطئي بمدينة سوسة فقتل 38 من المصيفين. وفى تشرين الثاني/ نوفمبر، أودى هجوم انتحاري ضد حافلة عسكرية في عاصمة البلاد بحياة 12 من أفراد الحرس الجمهوري. وفى كل حالة، سارعت داعش إلى إعلان مسؤوليتها عنها. وهذا العنف هو عرض لمشكلة أكبر. فقد غادر تونس ما يقدر بـ 1500 إلى 3000 تونسي البلاد وسافروا إلى العراق أو سوريا للقتال. وهذا أكبر رقم في أي دولة أفريقية، وتدفع الظاهرة البعض إلى القلق من أن وعد الربيع العربي سوف ينتزعه المتطرفون. قال عامل المصيف حبيب دجيب لصحيفة الغارديان بعد هجوم سوسة، “إن العالم العربي مثل غابة كبرى، وتونس بمثابة الزهرة الديمقراطية الوحيدة وسط هذه الغابة. والإرهابيون يريدون قطف هذه الزهرة”. تولى وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني منصبه في شباط/ فبراير 2015 ووضع على قمة أولوياته توجيه الشباب التونسي بعيداً عن الإرهاب. قال الحرشاني، وهو محام متخصص في القانون الدستوري والقانون الدولي، في بيان مكتوب لمجلة أيه دي إف إنه يؤمن إيماناً راسخاً بأن بلاده سوف تعود إلى السلام. وأشار إلى أن تونس لديها تاريخ طويل في ممارسة الإسلام المعتدل وتقاليد التعددية الثقافية تعود إلى نحو 3000 سنة إلى عصر القرطاجيين. كتب الحرشاني يقول، “إن الاعتدال هو سمة تونس في التاريخ القديم والمعاصر. وقد اشتهرت بدورها في نشر قيم التعاون، والتضامن، والحوار والسلام في حوض البحر الأبيض المتوسط بأسره”. فرحات الحرشاني، وزير الدفاع التونسي ولكن الحرشاني اعترف بأن تلك القيم تتعرض الآن للهجوم. فخلال الحكم الطويل للدكتاتور التونسي زين العابدين بن علي، كان الدين بكل أنواعه خاضعاً للتحكم الدقيق. فوزارة الشؤون الدينية هي التي كانت تعيّن جميع الأئمة في المساجد الرئيسية، وخطب صلاة الجمعة كانت خاضعة لموافقة الحكومة. وطبقاً لتقرير أصدره موقع المونيتور في كانون الأول/ ديسمبر 2015، استغل الأئمة المتعصبون فرصة تخفيف القيود في أعقاب انتفاضات الربيع العربي في توسيع نفوذهم. وقال التقرير إنه في غضون سنة واحدة بعد سقوط بن علي، وقع نحو 400 مسجد تحت نفوذ الأئمة السلفيين، وكان قرابة 50 منهم يحرضون على العنف. وجد الوعاظ المتشددون جمهوراً متجاوباً في الشباب التونسي المتعلم الذين عجزوا عن الحصول على فرصة عمل. وطبقاً لبنك التنمية الأفريقي، فإن معدل البطالة بين خريجي الجامعات من الشباب المعروفين “بالخريجين العاطلين عن العمل” ثابتة بصورة عامة عند 20 بالمائة. يرى الحرشاني الشباب المحبطين والذين يعيشون بدون هدف كتهديد كبير للاستقرار. كتب يقول، “إن البطالة، والتهميش، والفقر، وغياب التوجيه والتعليم أسباب في أن الشباب يتحولون إلى إرهابيين. ويقدم المتطرفون أنفسهم على أنهم ’حبل الإنقاذ‘ من هذا الإحباط”. ولوقف هذا الاتجاه، أطلقت الحكومة التونسية عدداً من المبادرات. إذ يجري إعادة المساجد تحت إشراف وزارة الشؤون الدينية، وتم إبعاد الأئمة المروجين للعنف، ويعمل فريق من 600 مسؤول على رصد التطرف الديني في مساجد البلاد، حسب ما أفادت به المونيتور. كما بدأت البلاد تحرز تقدماً عسكرياً ضد الجماعات المنتسبة لداعش. وخلال عامي 2014 و 2015، تمكن الجنود من تحديد موقع وتطهير 79 معسكراً إرهابياً، كان العدد الأكبر منها في جبل شامبي، بالقرب من الحدود الغربية للبلاد. قال الحرشاني إن تونس كانت ضحية عدم الاستقرار الإقليمي، لا سيما في ليبيا، التي لا توجد بها حكومة مركزية منذ عام 2011. وكتب يقول، ”إن هذا يوفر مناخاً خصباً لنمو الإرهاب والتهريب، وهما وجهان لعملة واحدة”. ولتأمين الحدود، عززت تونس حاجزاً طبيعياً من الأرض بين الدولتين، مستخدمة كراكات لتكويم الأتربة وحفر خنادق وملئها بمياه البحر. قال الحرشاني إنه بنهاية عام 2015 كان قد تم استكمال 87 بالمائة من الحاجز الطبيعي، وتأمين الحدود المشتركة بين الدولتين وتعزيزها بالمراقبة الإلكترونية. وتواصل القوات المسلحة التأكيد على الكفاءة المهنية، وأشار الحرشاني إلى أن المؤسسة العسكرية تكتسب مصداقية لكونها محايدة سياسياً وخاضعة للسلطة المدنية. وكتب يقول، “إن سلطة الجيش تنبع من الحيادية، والإيمان الوطني والولاء للدولة”. أما بالنسبة لخطر الإرهاب، فإن الحرشاني يعتقد أن البلاد في حاجة إلى نهج كلي يُشرك الجيش ولكنه يؤكد أيضاً على التعليم، والديمقراطية والاستجابة للمشاكل الاجتماعية. وأضاف، “أن مكافحة الإرهاب مشروع ثقافي كامل”. وأشار إلى أن الهجمات على تونس كان لها أثر كبير على قطاع السياحة بالبلاد، الذي يمثل 5,14 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي، ولكن الشعب التونسي يظل غير قابل للخضوع. وكتب يقول، “على الرغم من هذه العمليات وآثارها السلبية، فإن الحياة تستمر في بلادنا في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية والثقافية. والدول المجاورة والشريكة تقدم لنا الدعم في مكافحة الإرهاب والعمل على حض رجال الأعمال على الاستثمار في تونس واختيارها كوجهة سياحية. ورغم هذه الهجمات الوحشية، لا يستطيع الإرهاب أن يمس وحدة الدولة وشعبها”.