فيسبوك تويتر لينكدإن بينتيريست البريد الإلكتروني القوة العسكرية وحدها لن تقضي على بوكو حرام؛ يجب على الدولة معالجة المشاكل التي أدت إلى تكوين الجماعة. الدكتور. حسين سليمان بمجرد أن بدأ التمرد في عام 2009، قتلت جماعة بوكو حرام المتطرفة عشرات الآلاف، وأجبرت 2.6 مليون شخص على ترك منازلهم. فهذه الجماعة هي أكبر تهديد للسلام والأمن في نيجيريا. لكن القادة العسكريين والمدنيين في نيجيريا يتفقون على أن إيقاف بوكو حرام سيتطلب أكثر من مجرد الرصاص والقنابل. يقول الجنرال مارتن لوثر اجواى، رئيس أركان الدفاع السابق في نيجيريا، “لا يمكن أبداً حل أي من هذه المشاكل باستخدام الحلول العسكرية”. ويضيف، “إنها قضية سياسية، إنها قضية اجتماعية، إنها قضية اقتصادية. وحتى يتم التعامل مع هذه القضايا، لا يمكن للجيش أن يكون حلاً أبداً”. لاجوس، نيجيريا لا يزال على العسكريين والعسكريات الأفارقة فهم حدود استخدام القوة عند الرد على الجماعات المتطرفة، مثل حركة الشباب، وأنصار الدين وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وبوكو حرام. وعلى الرغم من أن القوة العسكرية عنصر أساسي في الاستراتيجية الواسعة لمكافحة الإرهاب، إلا أنها لا تستطيع أبدا أن تحقق السلام والازدهار بمفردها. إن الغرض الرئيسي من هذه القوة المسلحة هو احتواء الحرب في منطقة محدودة، وكسب تلك الحرب -وليس تعزيز السلام، ومهمتها الأساسية هو إنهاء العنف الذي يرتكبه المتطرفون. ومع ذلك، فإن هذا لا ينهي التهديد الموجود، نظراً للظروف الهيكلية التي تغذي هذا التطرف. إن احتواء الحرب يوفر على أرض الواقع الظروف لدوائر حكومية أخرى ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع الدولي للعمل من أجل إنهاء الظروف الهيكلية التي تغذي العنف. فهم جذور بوكو حرام تعود أصول بوكو حرام إلى الفترة ما بين 1802-1804، عندما أعلن المعلم الديني من أصل فولاني العرقي، عثمان دان فوديو، جهاده لتطهير الإسلام. وفي أثناء ذلك، أسس خلافة سوكوتو، التي يذكر الكثيرون في حركة بوكو حرام أن إعادة تأسيس هذه الخلافة هو هدفهم الرئيسي. في الآونة الأخيرة، مثلت انتفاضات مايتاتسين عام 1980 في كانو، وعام 1982 في كادونا وبولمكوتو، وعام 1984 في يولا، وعام 1985 في باوتشي محاولات لفرض إيديولوجية دينية على الدولة النيجيرية العلمانية. وهي توازي محاولة بوكو حرام إجبار الحكومة الوطنية في أبوجا قبول تفسيرها للشريعة الإسلامية في جميع الولايات النيجرية البالغ عددها 36 ولاية. وبين عامي 1999 و2008، تم الإبلاغ عن 28 نزاع ديني -أبرزها العنف المتكرر بين المسلمين والمسيحيين في خوسيه. غير أن الدين لا يوجد في فراغ تاريخي، بل هو يرتبط بقضايا تشمل العرق، والسياسة، والاقتصاد، والهجرة، والعنف. وغالباً ما يسُتخدم الاختلاف الديني من قبل السياسيين وغيرهم من القادة لتعزيز أهدافهم الخاصة. ولكي نفهم العنف الديني المتكرر في شمال نيجيريا، علينا أن نستكشف السياق الذي تزدهر فيه هذه الأصولية الإسلامية. عدم المساواة الراسخة الاقتصاد هو أحد هذه المحركات الهيكلية للعنف. فليس من قبيل المصادفة أن يكون شمال نيجيريا عرضة للانتفاضات الراديكالية – حيث أنه يعتبر أفقر جزء من البلاد، حيث يعيش 27 في المائة من سكان الجنوب في فقر، مقابل 72 في المائة في الشمال. وازدادت حدة الوضع الاقتصادي الهش في الشمال بسبب الزحف الصحراوي، والجفاف المتكرر، ووباء الطاعون البقري. عمال الإنقاذ يزيلون جثة بعد هجوم انتحاري في جامعة مايدوغوري، نيجيريا، في 24 يوليو، 2017. أسوشيتيد برس وقد أدت آثار العولمة الاقتصادية إلى تفاقم الانقسام بين الشمال والجنوب. وعلى الرغم من أن الرواسب الكبيرة للنفط قد أفادت الجنوب، إلا أن الصناعات القليلة في الشمال -ومعظمها مصانع النسيج -فشلت في التنافس مع الواردات الآسيوية الأرخص. فتكلفة ثوب من المنسوجات المصنوعة في نيجيريا هي 1500 نايرا (ما يزيد قليلا عن 4 دولارات)، بينما يكلف الثوب المماثل المستورد من الصين 550 نايرا فق (حوالي 1.50 دولار). وفي ظل هذه الظروف، انخفض عدد المصانع في مدينة كانو الشمالية الرئيسية من 350 مصنعاً في عام 1987 إلى 103 مصانع اليوم. وقد ازدادت بطالة الشباب في الشمال، حيث تقوم بوكو حرام بتجنيد المستضعفين والمستبعدين من بينهم. يتناقض الفقر المتزايد للمواطنين تناقضاً حاداً مع الثروة المتزايدة للنخبة السياسية. فمنذ نهاية الحكم العسكري في عام 1999 حتى حكم غودلاك جوناثان، أفادت التقارير أن السياسيين النيجيريين كانوا يختلسون ما بين 4 بلايين دولار و8 بلايين دولار كل عام. ويضيف هذا إلى الفجوة ما بين الدولة والمواطن، حيث تُعتبر الدولة نظاماً غير شرعياً. في ظل هذه الظروف، يمكن للمرء أن يفهم صدى خطاب بوكو حرام، عندما يقولون أن الدولة النيجيرية طاغوت، أو أنها الشر نفسه. وانطلاقاً من هذا، لا يبقى إلا خطوة صغيرة لمواصلة القول بأن الدولة العلمانية الغربية قد فشلت. والواقع أن فشل الحكم في ضمان الأمن، مع ما يصاحبه من زيادة الإجرام، هو الذي أدى أيضا إلى قيام الولايات الشمالية بتنفيذ الشريعة الإسلامية. فلم يكن لخطاب بوكو حرام بشأن تطبيق الشريعة الإسلامية أن يحظى بجاذبية ضئيلة لو أن الحكومات المتعاقبة وفرت الأمن الأساسي لمواطنيها -ولا سيما في الشمال. بائع يبيع الصحف التي تشمل أسماء طالبات المدارس النيجيريات المختطفات في تشيبوك المفرج عنهن، أبوجا، نيجيريا، في أيار / مايو 2017. أسوشيتيد برس يقول الدكتور بوكولا ساراكى، رئيس مجلس الشيوخ النيجيري، “كلما عجلنا بتقديم اصلاحات اقتصادية وتحقيق ازدهار أكبر لجميع النيجيريين، كلما أسرعنا في تحقيق مجتمع أكثر شمولية وتقليل الانقسامات والمظالم الاجتماعية”. إن هزيمة بوكو حرام لن تكون كافيه لإعادة النظام إلى نيجيريا. تقول المنظمة الدولية غير الحكومية، مجموعة الأزمات الدولية، ان على نيجيريا ان تعيد الادارة الحكومية إلى الاماكن المهمشة “من اجل توفير خدمات اساسية حاسمة -الامن وسيادة القانون والتعليم والصحة – ومعالجة العوامل التي تدفع الأفراد للانضمام الى حركات مثل بوكو حرام”. الهوية كسلاح تعد سياسة الهوية عاملاً هيكلياً أخر. إذ ينقسم سكان نيجيريا البالغ عددهم 190 مليون نسمة إلى أكثر من 500 مجموعة عرقية تتكلم ما بين 250 إلى 500 لغة. ويمكن تقسيم السكان أيضا على حسب انتماءاتهم الدينية إلى 50 في المئة من المسلمين، و 40 في المئة من المسيحيين، و 10 في المئة ينتمون لمختلف أديان السكان الأصليين. ومما يزيد من تعقيد الأمور أن هذه الاختلافات تعزز بعضها بعضا، حيث تؤدي عوامل الهوية الإثنية والإقليمية والدينية إلى زيادة الانقسامات. ومنذ الاستقلال، كافحت الحكومات النيجيرية المتعاقبة من أجل تحديد جنسية نيجيرية مشتركة. في الواقع، يمكن للمرء أن يجادل بأن الطابع الاستبعادي للدولة النيجيرية يهدف إلى إبراز الاختلافات، بدلاً من الحد منها. فالحكومات المحلية وحكومات الولايات هي استبعادية فيما يتعلق بكيفية منحها حقوقاً مختلفة للأشخاص الذين يعيشون في منطقة ما. فعلى المستوى الحكومي المحلي، على سبيل المثال، هناك تمييز واضح بين “المواطنين” و “المهاجرين”. ويتشارك السكان الأصليون أو “الأصليون” نفس الخصائص العرقية والثقافية والدينية واللغوية ويطلق عليهم “المواطنون المحليون”. أما “المهاجرون” أو “المستوطنون”، فلديهم خصائص عرقية أو ثقافية أو دينية أو لغوية مختلفة عن “المحليين” ولا يتم اعتبارهم على أنهم مواطنين، بغض النظر عن المدة التي عاشوا فيها في منطقة معينة وعن كونهم جميعا مواطنين نيجيريين. الأطفال الذين تشردوا بعد هجمات بوكو حرام يحضرون محاضرات في مدرسة في مايدوغوري، نيجيريا. اسوشيتد برس ونتيجة الطبيعة الاستبعادية للدولة النيجيرية تظهر بوضوح في الروايات التي يرويها النيجيريين العاديين عند شرح العنف. فالهويات الدينية والعرقية والإقليمية كلها تلعب دوراً. وفي حين أن وسائط الإعلام الشعبية قد صورت الصراع على أنه قضية نزاع بين المسلمين والمسيحيين، إلا أن هناك بعداً عرقياً آخر للصراع: مما يعزز التصدع الناتج. قد تستهدف جماعة بوكو حرام الإسلامية المسيحيين الذين يعيشون في الشمال؛ ومع ذلك، فإن التصور بين الإغبو هو أن الهوسا فولاني وكانوري بوكو حرام يستهدفون جماعة إغبو العرقية -فهذا هو التطهير العرقي المنهجي. وردا على بوكو حرام التي تستهدف المسيحيين في الشمال، أعطت جماعة الإغبو، أوغبونيغو نديجبو، جميع المسلمين الشماليين الذين يعيشون في الجنوب أسبوعين للمغادرة أو مواجهة الموت. وفي لوكبانتا، أخذت جماعة مسلمي الهوسا، الذين كانوا يعيشون بين الإغبو لعقود من الزمن، التحذير بجدية وغادرت المنطقة مستخدمةً الشاحنات. هذا التصور يحظى بمصداقية إضافية من قبل كورين دوفكا، وهي باحثة بارزة في هيومن رايتس ووتش متخصصة في غرب أفريقيا. فبعد إجراء بحث موسع حول ضحايا العنف على يد بوكو حرام، تعتقد دوفكا أن بوكو حرام تقتل الناس في شمال نيجيريا على أساس دينهم واصلهم العرقي. لا يمكن التغاضي عن هذا الاستنتاج: لا يمكن لأي استجابة تركز على الحل العسكري أن تحقق السلام المستدام في شمال نيجيريا ما لم يتم أيضا معالجة المتغيرات الهيكلية الأساسية -الاقتصاد والحوكمة والهوية. وعلى نفس المنوال، فإن مكافحة فكر التطرف العنيف لن تجد الدعم إلا إذا تم حل قضايا الفقر والفساد والقومية العرقية الفاشلة. د. حسين سليمان كبير الاساتذة في قسم الدراسات السياسية و الحوكمة في جامعة الدولة الحرة، جمهورية جنوب أفريقيا