فيسبوك تويتر لينكدإن بينتيريست البريد الإلكتروني أطلقت ولاية ديفا برنامجاً لإعادة إدماج المتمردين وإحلال السلام في قراها. أسرة أيه دي إف إن الحاجة إلى نزع سلاح المتمردين المستسلمين وتسريحهم وإعادة إدماجهم فكرة قائمة منذ الحرب نفسها، فالمتمردون ينهكهم القتال ثم يستسلمون للمنتصر، ثم يمرون بعملية إعادة تأهيل قبل عودتهم إلى المجتمع. وفي حالة متمردي بوكو حرام، فإن نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج معقد للغاية، وقد لا يقتصر الأمر على المقاتلين المستسلمين وحدهم بل يشمل زوجاتهم وأطفالهم وكذلك الرهائن السابقين، كما أن بوكو حرام تنتهج أيديولوجية متطرفة ويتعهد مقاتلوها على تدمير الدولة وقتل المدنيين الأبرياء. وأخيرًا فإن الصراع مستمر، ومن ثم يطرح السؤال: كيف يمكنك تصميم برنامج لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج والحرب لم تضع أوزارها بعد؟ كتبت فاندا فلباب-براون من مركز الأمن والاستخبارات في القرن الحادي والعشرين، قائلةً “سواء تعلق الأمر بنيجيريا أو الصومال، فعلى برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج في الوقت الحالي التعامل مع المنشقين أو الذين أسروا أو حرروا في ساحة المعركة في سياق التطرف وفي غياب إطار اتفاق السلام، وعلاوة على ذلك، فإن إعادة الإدماج غالبًا ما تنخذل في إعادة الاستيعاب، ذلك المفهوم الأضيق نطاقًا من مفهوم إعادة الإدماج والخطوة التي تحدث قبل أي نزع سلاح وتسريح رسميين”. زارت فلباب-براون النيجر في آيار / مايو 2017 لمراقبة الأساليب التي تنتهجها البلاد في نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وأشارت إلى وجود فئتين مختلفتين بحاجة إلى إعادة تأهيل هما المقاتلون السابقون وضحاياهم. لاجئون يتجمعون بالقرب من ديفا بالنيجر بعد أن أجبرتهم بوكو حرام على ترك بيوتهم.وكالة فرانس برس/ جيتي إمجيز وأشارت أيضًا “يوجد عدد كبير من أسرى بوكو حرام لم يتطرفوا أبدًا، لكنهم استعبدوا فقط؛ ولعل بعضهم ارتكب جرائم بشعة تحت الإكراه، ولذا فمن الأهمية بمكان تدشين عملية تفصل بينهم (إما عن طريق القضاء وربما السجن) وبين الأشخاص الآخرين الذين قد يفرج عنهم بعد عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج أو المساعدات الأخرى”. وهذا في حد ذاته قد يسبب مشكلات، وتقول الباحثة: “إن عدم وجود آليات قانونية أو معايير تصنيف، فقد تتواصل إساءة معاملة الضحايا المحتجزين أو يمكن إطلاق سراح أشخاص خطرين”. ومن جهته أعلن ماهامان دان دانو حاكم منطقة ديفا النيجيرية، أن على بلاده أن تسعى إلى تبني منظور فريد في عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، وقال أن عدد غير قليل من المقاتلين المسلحين أنفسهم ليسوا إلا ضحايا. إذ قال في هذا الصدد في مقابلة موسعة: “علينا قبل كل شيء أن نتساءل لماذا انضم هؤلاء الشباب إلى بوكو حرام؟ وكيف جُندوا؟ لقد تعامل بعضهم في مع الأمر على أنه لعبة ، ثم وجدوا أنفسهم في نهاية المطاف في فخ بعد أن رأوا الواقع هناك مخالف لتوقعاتهم وأفكارهم”. واستطرد قائلًا: “هؤلاء الأولاد نيجيريون مثلنا، إنهم مواطنون مثلنا، وقد أخطأوا وإن أفضل طريقة لإيجاد حل لمعضلتهم هي محاولة منحهم فرصة ثانية”. وأشار ماهامان إلى أن بعض الشبان انضموا إلى بوكو حرام لأنهم شعروا أنه ليس أمامهم مكان آخر يذهبون إليه. وأضاف أن ديفا ضربتها الفيضانات في 2011 و2012 و2013 وفقد كثير من الناس أراضيهم التي كانوا يزرعون فيها الفلفل ويتربحون منها في كل موسم، ففقدوا بهذا مصدر دخلهم، فانتهزت بوكو حرام الفرصة وأمدتهم بالمال وجندتهم. وقال مراقبون أن النيجر تهتم بنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج أكثر من غيرها من الدول الأخرى في المنطقة؛ إذ تنظم مؤتمرات بشأن نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وتثقف مواطنيها بأهمية البرنامج. وبحلول منتصف عام 2017، بلغ عدد المشاركون في برنامج ديفا 150 شخصًا من بينهم زوجات و28 صبيًا، ومع هذا يشعر الخبراء بالقلق لأن ديفا تفتقر إلى الموارد اللازمة لإيواء المقاتلين السابقين بمعزل عن النساء والأطفال، ويمثل ذلك نقطة ضعف كبيرة تتنافى مع معظم ممارسات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج المقبولة. وتبرز أيضًا مسألة تدريب المقاتلين السابقين على مهن جديدة، ونظرًا للتنافس بين المزارعين والرعاة على الأراضي، اختارت ديفا إعادة تدريب المنشقين على مهن ميكانيكية، إلا أن القرى التي يعاد إليها المقاتلون السابقون ليست بحاجة في كثير من الأحيان إلى أعمال الميكانيكا، لأن العديد من القرى تمنع استخدام الدراجات النارية، بسبب استغلال بوكو حرام لها في هجماتها الانتحارية. كما عبّر سكان تلك القرى عن استيائهم من تلقي الخونة السابقين في الوقت الحالي لمعاملة خاصة لا يحظون هم بها. فشأنهم شأن الجهاديين السابقين، فإن سكان القرى يعانون الفقر والبطالة. وقالت فلباب-براون أن التجارب السابقة في مجال نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج في بلدان أخرى كشفت أنه ينبغي منح المجتمعات المحلية مساعدات مماثلة لتلك التي يتلقاها المقاتلون السابقون حتى يكونوا أكثر استعدادًا لتقبلهم. ويرى أبو بكر عيسى، أحد قادة الشباب في ديفا، أن أولويات منطقته كلها خاطئة. وقال لوكالة أنباء إيرين: “يجب على الحكومة في البداية أن تلتقي بتلك المجتمعات التي فقدت كل شيء وتعيش تحت الأشجار، فليقابلوا هؤلاء وليريحوهم ويعيدوهم إلى منازلهم ويمدوهم بوسائل إعادة التوطين، وبعد ذلك تستطيع الحكومة التوجه إلى المقاتلين السابقين وتساعدهم على العودة إلى مجتمعاتهم”. وقال الحاكم أن النقاد والمراقبين الخارجيين لا يدركون التحديات التي تواجهها ديفا، وأشار أيضًا إلى أنه مع تدريب كل فرد منشق يجري تدريب خمسة مواطنين ملتزمين بالقانون. وقال “إن كل دولة وكل منطقة في العالم لها طبيعتها الخاصة، وإن الخطوات التي قطعناها حتى الآن قد أسفرت عن نتائج، فقد انخفضت أعداد الهجمات التي كانت تتعرض لها القرية، وإن أفضل ما يمكن لشركائنا الغربيين تقديمه لنا هو محاولة دعمنا ومحاولة فهم الخطوات التي قطعناها حتى الآن”. وشدّد المحافظ على ضرورة مشاركة العاملين في مجال الصحة النفسية وعلماء النفس في عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج. وفي غضون ذلك، تلجأ النيجر وغيرها من المناطق الأخرى في أفريقيا إلى إعادة التعليم الديني عبر توظيف أئمة للمساهمة في دحض الأفكار المتطرفة التي في أذهان المقاتلين السابقين. وتتوافر خدمات هؤلاء الأئمة بسهولة أكبر من خدمات المتخصصين في مجال الصحة العقلية، كما أن الموارد المالية لتوظيف هؤلاء الأئمة يسهل توفيرها. وذكرت سلطات ديفا أن شهر كانون الأول / ديسمبر 2016 شهد أهم لحظات جهود نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، إذ استسلم في ذلك الشهر 14 مقاتلًا من مقاتلي جماعة بوكو حرام للسلطات، في خطوة مفاجأة لجميع أبناء المنطقة، وذكر موقع أفريكان أرجيومنتس الإخباري أن مسؤولي ديفا “جربوا أسلوبًا يطالب الأسر التي انضم أبناؤها إلى بوكو حرام بنشر فكرة العفو”. AFP/GETTY IMAGES وقبل هذا الأسلوب الجديد، كانت المنطقة تتعامل في الغالب مع بوكو حرام تعاملًا عسكريًا حقق لها بعض النجاحات. وفي نهاية عام 2017، لم تعد بوكو حرام بذات القوة التي كانت عليها في السنوات الماضية وانشقت إلى جماعتين متنافستين. وعلى الرغم من انخفاض معدلات الاعتداءات والتفجيرات وعمليات الاختطاف انخفاضًا كبيرًا، إلا أنها لم تتوقف. وفي حادث وقع في تموز / يوليو 2017، قتل مقاتلون من جماعة بوكو حرام تسعة أشخاص واختطفوا 40 آخرين في غارة شنوها من على ظهور الإبل على قرية نيجيرية. ليس هناك من يرى عدم ضرورة الرد العسكري؛ وينظر إلى استراتيجية ديفا على أنها وسيلة لتعزيز ذلك. وفي دراسة أجريت عام 2017، خلصت مجموعة الأزمات الدولية إلى أنه لا غنى عن البرامج المماثلة لبرنامج النيجر إلا أنها يلزم أن تنتهج توازنًا دقيقًا. وشملت توصيات المجموعة لدولة النيجر ما يلي: “صياغة سياسات التسريح وإعادة الإدماج لمقاتلي بوكو حرام السابقين، وخاصة أولئك الذين لم يتورطوا في جرائم خطيرة، مع التشاور مع ضحايا بوكو حرام وممثليهم لتجنب العمليات الانتقامية. ومع الترحيب بخطوة مواقع التسريح التي أنشأت مؤخرًا، إلا أن إعادة إدماج المتمردين السابقين تعد قضية حساسة تتطلب معالجة ماهرة واستثمارات كبيرة وممتدة من طرف الحكومة وشركائها”. وسبق أن نجحت برامج العفو المذكورة في غمرة الحروب الجارية إذ استخدمت أوغندا استراتيجية مماثلة ضد جيش الرب للمقاومة في السنوات العشر الأولى من القرن الحادي والعشرين، وقال الباحث ادوارد راكلى أن هذه السياسة “يرى كثيرون أنها قد أضعفت صفوف المتمردين”. وعلى خلاف ما حدث في أوغندا، لم تتخذ مبادرة ديفا حتى أواخر عام 2017 أي إجراءات قانونية يوصم بموجبها مقاتلي بوكو حرام السابقين بأنهم فارين من العفو. في نيسان / أبريل 2017، كتب راكلي أن اهتمام ديفا الذي لا يتزعزع ببرنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج يمثل أكبر موطن قوة لها. وقال: “إن كون المبادرة محلية وتنفذ داخليًا، فهي أيضا مثيرة للإعجاب وواعدة، في كثير من الأحيان عندما يتم تنفيذ مخططات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، فإنها تكون مستوردة من الخارج وحجم الخصوصية فيها ضئيل، أما تجربة ديفا فليست كذلك، وهي مثار اهتمام المناطق الأخرى التي تواجه نفس المشكلة وتراقب تلك التجربة الجريئة عن كثب”. q