فيسبوك تويتر لينكدإن بينتيريست البريد الإلكتروني أصغر دولة في أفريقيا تضع معياراً للبحار الآمنة والمستدامة أسرة إيه دي اف بينما كان أفراد طاقم سفينة الصيد “جالات” الستة السيشلون نائمين في البحر الجنوبي الشرقي لجزيرة ماهي، لم يكن يقلقهم شيء غير الاستيقاظ على يومٍ آخر مزدحم بصيد التونة من المحيط الهندي. غير أن العصابات المسلحة كانت تتربص بهم في المياة. وقد دفعت الدوريات البحرية الدولية القراصنة مئات الأميال عن الساحل الصومالي وخليج عدن. والآن، كان بعض هؤلاء القراصنة يضعون الصيادين نصب أعينهم. في حوالي الساعة الثانية من صباح يوم 30 مارس 2010، سعى تسعة قراصنة صوماليون، كانوا يملكون في الآونة الأخيرة مركب صيد شراعي إيراني وطاقمه الذي يتكون من 21 فردًا، إلى إضافة السفينة جالات إلى غنائمهم. وكان القراصنة قد استولوا على القارب الإيراني قبل أربعة أيام، وفقًا لتقرير نُشرته وكالة أفرول الإخبارية. وما أن صعد القراصنة على متن السفينة جالات، كان القراصنة بالفعل قد هاجموا السفن سيرانتي وإنديان أوشن إكسبلورار وألاكرانا وآسروا أفراد طاقمها. بعد ذلك، عزم الرئيس جيمس ميشيل أنه لن يسمح بأن يصبح المزيد من شعبه ورقة مساومة في يد القراصنة الصوماليين. وأصدر ميشيل أوامره للسفينة توباز من قوات خفر السواحل في سيشل باعتراض السفينة الشراعية التي كانت تسحب جالات، ومنعها من الوصول إلى الصومال. إذا فشلت توباز، كان من شبه المؤكد أنه سيكون عليه اتباع تجربة أخرى طويلة وخطيرة لتأمين إطلاق أفراد الطاقم. وبمساعدة من طائرة الدورية البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي، عثرت توباز على السفينة الشراعية وأطلقت طلقات تحذيرية. ثم أطلقت توباز النار على محرك السفينة الشراعية، مما أدى إلى تعطل القارب وإشعال النار فيه. وقفز القراصنة والإيرانيون وصيادو سيشل إلى البحر وتم إنقاذهم. وبينما كانت توباز في طريق عودتها، تحتم عليها صد هجوم آخر للقراصنة، حيث أطلقت النار على قارب صغير وسفينة أم وأغرقوهما. بينما هرب قارب آخر. وقال ميشيل بعد واقعة جالات كما ذكرت وكالة أفترول “نتذكر جميعًا الألم والحيرة عندما تم احتجاز مواطنينا من على متن سيرانتي وإنديان أوشن إكسبلورار وألاكرانا كرهائن من قبل القراصنة العام الماضي.” “لقد عزمنا على ألا تتكرر مثل تلك الحوادث، وكان من الضروري عدم السماح للسفينة بالوصول إلى الصومال.” في السنوات التي تلت حادث جالات، كانت سيشل في مقدمة الركب في مقاضاة قراصنة شرق أفريقيا وسجنهم، وتعزيز قوات خفر السواحل الصغيرة، وصياغة اتفاقات وتحالفات مع القوى الأجنبية، وضمان الحفاظ على مجالها البحري الشاسع وحمايته. وقد بدأ العمل يؤتي ثماره. أصغر دولة في أفريقيا تضع معياراً للقارة. مجال واسع النطاق تتكون جزر سيشل من أرخبيل يتألف من 115 جزيرة ويبلغ مجموع مساحة أراضيها 455 كيلو مترًا مربعًا، إلا أن عليها أن تحمي منطقة اقتصادية خالصة في البحر تبلغ مساحتها 1336551 كيلو متر مربع – وهي مساحة أكبر من جنوب أفريقيا. يراود سيشل وسكانها البالغ عددهم 90 ألفًا مخاوف البحرية تفوق إلى حدٍ كبير دولاً حجمها وعدد سكانها يقدر بأضعاف سيشل. السفينة توباز التابعة لخفر السواحل في سيشل تصل إلى ميناء فيكتوريا تحمل على متنها ستة صيادين من سيشل و21 إيرانيًا تم إنقاذهم وتسعة قراصنة صوماليين. وكالة فرانس برس/جيتي إيميجز ومع تزايد القرصنة والتهديدات البحرية الأخرى في المحيط الهندي، استفادت جزر سيشل من القادة المتطلعين الراغبين في التحاور مع الشركاء الدوليين. قال الدكتور إيان رالبي الأستاذ المساعد في القانون والأمن البحري بمركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية أن حجم البلد الصغير وموقعها الجغرافي قد ساعد على ذلك. وقال رالبي “في بعض النواحي يمنحهم حجمهم ميزة الرشاقة”، إيه دي إف “من الأسهل كثيرًا تغيير الأشياء وتغيير الأساليب التي تنتهجها عندما يكون لديك 90 ألف شخص مقارنةً بـ 200 مليون شخص.” ومع ذلك، فإن حجم سيشل يزيد من آثار القرصنة والتهديدات الأخرى. فالتهديدات التي تواجه صناعة الصيد أو السياحة ملموسة في جميع أنحاء البلاد. ولذا فإن تجاهل المشكلة ليس خيارًا مطروحًا. تستفيد جزر سيشل أيضًا من ميزة فريدة أخرى. وطرح الدكتور كريستيان بوجير في ورقة بحثية شارك في تأليفها مع أندرس ويفل في مايو 2018، هذا السؤال: “كيف يمكن لدولة ذات موارد بشرية ومالية محدودة أن يُعترف بها كميسر دبلوماسي رئيسي وكأحد واضعي أجندة الأعمال في حوكمة المحيطات؟” السر، كما قال بوجير في حديثه مع إيه دي إف يكمن في التاريخ العرقي والثقافي للدولة. شكل فريد من أشكال الدبلوماسية لا تملك سيشل ثقافة أصلية أو سكان أصليين. في الحقيقة لم يكن هناك سكان على الإطلاق حتى السبعينات من القرن الثامن عشر، وعندما وصل المزارعون الفرنسيون جلبوا معهم عبيدًا من شرق أفريقيا. ويتضمن سكان الدولة الجدد أحفاد المستوطنين الفرنسيين والأفارقة والبريطانيين، فضلاً عن التجار الأفارقة والهنود والصينيين والشرق أوسطيين الذين عاشوا في ثلاث جزر رئيسية – أغلبهم في ماهي، وبدرجة أقل في براسلين ولا ديج. قرصان صومالي يصل إلى ميناء فيكتوريا في سيشل، بعد أن تم القبض عليه على صلة بهجوم شن على سفينة الصيد جالات. وكالة فرانس برس/جيتي إيميجز كتب بوجير وويفل أن العبيد تم الاتجار بهم كأفراد، وليس كمجموعات أو عائلات، لذلك لم يتم الحفاظ على ثقافاتهم. وفي ظل تدفق جنسيات أخرى من الشرق والغرب، أصبحت سيشل دولة كريولية. هذا المزيج من الثقافات، دون تحيز قوي لأي واحدة منهم، يجعل من سيشل بارعة في ما يسميه بويجر “دبلوماسية الكريول.” وقال بورجر، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كوبنهاجن “في دبلوماسيه الكريول، يكون لديك العديد من الأصدقاء، ولا يوجد أعداء، وتتحدث مع الجميع، ويمكن أن تتسم بالعملية الشديدة من حيث ترك الأمور تسير بطبيعتها بدلاً من وجود الكثير من المشاكل الأيديولوجية والتاريخية المعنية.” “إذن، الواقعية والانفتاح تجاه كل أنواع الثقافات والأمم الأخرى – هذا هو مبدأ كريولي؛ وهذه هي الطريقة التي تعمل بها ثقافة الكريول.” تتعاون حكومة سيشل مع مجموعة متنوعة من الدول والمنظمات بشأن القضايا البحرية. وقد عملت مع منظمات دولية لأجل مكافحة الجريمة البحرية، وشاركت في التدريبات البحرية الدولية، وأبرمت صفقات ثنائية مع الدول الأجنبية لتعزيز قدراتها التدريبية وقدرة الاعتراض من خلال الاستحواذ على أصول بحرية وجوية. بعض الأمثلة: • في عام 2014 تبرع الاتحاد الأوروبي ببرنامج لتخطيط رحلات الطيران وتحليل الصور لسيشل وقام بتدريب الضباط على استخدامه. وأشار موقع defenceWeb أن النظام يساعد السلاح الجوي على مراقبة المجال البحري ويقوم بتحليل فعال لصور الرادار والفيديو والأشعة تحت الحمراء، تساعد هذه القدرة على تقديم أدلة مقبولة في الملاحقات القضائية لجرائم القرصنة. • في عام 2015، أصبحت سيشل أول دولة إقليمية تترأس مجموعة الاتصال المعنية بالقرصنة قبالة سواحل الصومال، ولمدة عامين. ينسق المشاركون الجهود السياسية والعسكرية وغير الحكومية لمكافحة القرصنة في شرق أفريقيا وضمان تقديم القراصنة إلى العدالة. يشارك في هذه الجهود ما يقرب من 80 دولة والعديد من المنظمات الدولية. • قام البحارة الألمان في FGS Bayern، وهي السفينة الرائدة في أسطول عمليات أتالانتا متعدد الجنسيات في الاتحاد الأوروبي، بتدريب وحدة الشرطة البحرية في سيشل في عام 2016 على الصعود على متن السفينة وتأمين مناطق الهبوط ومكافحة الحرائق على متن السفينة، حسبما أفاد موقع defenceWeb. • في يناير 2018، استضافت سيشل تدريب Cutlass Express، وهو تدريب بحري شرق أفريقي تنظمه القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا. واختبرت الدول المشاركة قدرتها على مكافحة الاتجار غير المشروع والقرصنة والصيد غير المشروع والقيام بعمليات البحث والإنقاذ. جاء المشاركون من دول أستراليا، وكندا، وجزر القمر، والدنمارك، وجيبوتي، وفرنسا، وكينيا، ومدغشقر، وموريشيوس، وموزمبيق، ونيوزيلندا، وسيشل، والصومال، وجنوب أفريقيا، وهولندا، وتركيا، والولايات المتحدة. • وانضمت قوات الدفاع الشعبي بسيشل (SPDF) والجيش الهندي في فبراير 2018 للمشاركة في تمرين استمر ثمانية أيام أطلق عليه لاميتي وهي كلمة تعني الصداقة بلغة الكريول. وقال العقيد جان أتالا من قوات الدفاع الشعبي بسيشل لوكالة سيشل للأنباء أن التدريب الذي يجري تُجرى كل عامين، والذي بدأ في عام 2001، يعزز عمليات مكافحة التمرد ومكافحة الإرهاب ومكافحة القرصنة للقوتين. وقد شارك فيه أفراد من قوات الدفاع الشعبي لسيشل وخفر السواحل والقوات الجوية. قائدة في الملاحقات القضائية من بين المجالات التي برعت فيها سيشل هو استعدادها لمقاضاة القراصنة الذين تم ضبطهم وهم يهاجمون السفن قبالة سواحل الصومال وما وراءها. بعد أن بدأت القوات البحرية في توجيه ضربات للقراصنة في خليج عدن والمحيط الهندي، شاركت القوات في عمليات “القبض وإطلاق السراح” لأن تكن الدول المشاركة مستعدةً لمقاضاة القراصنة في بلدانهم الأصلية. قوات سيشل الخاصة وخفر السواحل في موريشيوس تشارك في مناورة صعود على متن سفينة أثناء تدريب Cutlass Express 2018.ضابط صف من الدرجة الثالثة فورد وليامز/القوات البحرية الأمريكية وكتب بوجير وويفل “للتصدي لهذه المشكلة، عمل المجتمع الدولي على التوصل إلى حل تقوم بموجبه البحريات الدولية باعتقال المشتبه بهم، ومن ثم تسليمهم بعد ذلك إلى دول المنطقة لمقاضاتهم.” كانت كينيا هي أول من بادر بالانضمام ثم وافقت سيشل على مقاضاة القراصنة وسرعان ما أصبحت الدولة الرئيسية في المنطقة التي تتعامل مع القضايا. وقد نظرت في عشرات القضايا التي تمثل أكثر من 100 من المشتبه بهم، كما تعاملت مع العديد من قضايا الاستئناف. وتحلت البلاد في كافة مراحل هذه العملية بالالتزام بسيادة القانون. وأشار رالبي أن سيشل في البداية لم تمتلك الاختصاص القضائي الكافي للنظر في القضايا التي تنشأ في أعالي البحار ولم تملك وقوانين تتعلق بـ “محاولات القرصنة.” وقد حققت البلاد تحسنا في قواعد الأدلة مثل إثبات أن المشتبه بهم أكبر من 18 عامًا أو التعامل مع مسائل تتعلق بجنسيتهم. وقال رالبي: “في ظهور المشكلات القانونية، قامت البلاد بتعديل قوانينهم حتى يتمكنوا من التعامل مع القضايا بشكلٍ مناسب.” “لذا فهم يملكون بعض الخبرات الرائدة في العالم في هذه المرحلة من حيث آليات تولي قضية القرصنة من أي مكان – أي مكان في أعالي البحار – إلى المحاكمة ووصولاً إلى الملاحقة القضائية والإدانة والاستئناف والسجن في النهاية.” لقد لمست الدولة الصغيرة، الواقعة على جزر في وسط المحيط الهندي، فائدة إعادة إرساء سيادة القانون في المجال البحري. كما لمست فائدة جعل البحر مستدامًا وآمنًا. وأضاف رالبي: “إذا كان الحافز الوحيد للأمن البحري هو حماية الدولة من التهديدات، فلديك مشكلة محبطة للغاية لا تنتهي، وهي تتمثل في أنك تنفق الكثير من المال على وقف شيء سيعود لاحقاً.” سيكون هناك دائمًا تهديدات جديدة؛ إلى جانب تحديات أمنية بحرية جديدة.” مشاهدة الصورة البحرية الشاملة تدرك سيشل، ربما أكثر من أي دولة أفريقية أخرى، قيمة وهشاشة اقتصادها البحري. فإيراداتها تعتمد بشكلٍ رئيسي على صناعات الصيد والسياحة، لكن الجريمة البحرية تهدد هذه التجارة. وبينما تسعى الدول إلى أن تكون أكثر إدراكًا للمجال البحري، قال رالبي إن سيشل تعمل بلا كلل لحمايته ورعايته كمصدر للثروة والازدهار. وتطبق سيشل سياسة للتتبع الصيد تسمح للمستهلكين العالميين بمشاهدة منشأ التونة التي تصطادها قوارب الصيد السيشلية. تضيف هذه الشفافية السوقية قيمةً إلى الصيد القانوني وتعمل على عدم تشجيع الصيد غير القانوني. كما شرعت الدولة في طريقة جديدة للحفاظ على مجالها البحري بينما تقلل من ديونها السيادية. إن ترتيبات التمويل، والمعروفة باسم “الديون مقابل الدلافين”، قد جعلت سيشل تُجنّب مساحات شاسعة من مجالها البحري للحفظ مقابل التمويل الذي يقلل الديون الوطنية. وفي أوائل عام 2018، عرضت منظمة الحفاظ على الطبيعة شراء ما يقرب من 22 مليون دولار أمريكي من ديون سيشل. وفي المقابل، ستقوم البلاد بتعيين ثلث منطقتها البحرية كمحمية، حسب ما أوردته رويترز. ومن شأن أول منطقة محمية طبيعية والتي تبلغ مساحتها 210 ألف كيلو متر مربع أن تحد من الصيد والتنقيب عن النفط والتنمية في الموائل الهشة، وتسمح بهذه الأنشطة وفق شروط معينة في بقية أنحاء المنطقة. وتطبق قيود مختلفة في مساحة إضافية قدرها 200 ألف كيلو متر مربع. التزمت سيشل بحماية ما يصل إلى 30 في المائة من مجالها البحري من خلال خطة مكانية بحرية شاملة. وستحمي الخطة الأنواع والموائل، وتعزز مقاومة الساحل لتغير المناخ، وتحافظ على الفرص الاقتصادية في السياحة وصيد الأسماك. وقال رالبي: “لقد أصبح الاقتصاد الأزرق النقطة المحورية للاقتصاد الوطني، وقد أدركت سيشل أكثر من ربما أي دولة أخرى، واقع جغرافيتها وتعاملت معه كعنصر إيجابي وليس مجرد تحدٍ.”