فيسبوك تويتر لينكدإن بينتيريست البريد الإلكتروني حوار مع فريق الجيش الكيني الجنرال نجوكي موانيكي حول الأمن البشري الفريق المتقاعد نجوكي موانيكي هو القائد السابق لجيش كينيا. وخلال ما يقرب من 40 عاماً في قوات الدفاع الكينية، شغل مناصب من بينها القائد العام للقيادة الشرقية للجيش الكيني، ونائب رئيس هيئة الأركان وقائد كلية الدفاع الوطني. من عام 2001 إلى عام 2003، كان رئيساً للجنة العسكرية المشتركة لاتفاق لوساكا لوقف إطلاق النار، الذي ساعد في التوسط لإنهاء الحرب في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وهو مواطن من المنطقة الوسطى الكينية بالقرب من ماونت كينيا ومتزوج ولديه ثلاثة أطفال. تم اختصار هذه المقابلة لتناسب هذه المجلة. ADF: كيف تعرّف الأمن البشري؟ موانيكي: يستهدف الأمن، أساساً، خلق الظروف التي تسمح للبشر بشكل فردي أو جماعي بتحقيق أهدافهم العزيزة دون قيود غير مبررة. إنهم هؤلاء الأفراد والجماعات الذين يسلمون سيادتهم للدولة، وتستطيع أن تقول إن هذا العقد الاجتماعي هو الدستور. انهم يتوقعون من الدولة أن توفر الأمن لهم ضد التهديدات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والعسكرية. وأنا أتفق مع البرفسور باري بوزان [الأستاذ بكلية لندن للاقتصاديات]، الذي قال إن الأمن يتطلب عدم وجود تهديدات لهذه المجالات الخمسة. وهذا يسمح للبشر بالسعي لتحقيق أهدافهم. ولكني أعتقد أنك تحتاج إلى النظر في أن البشر أنشأوا الدولة منذ حوالي ثلاثة قرون ونصف مع سلام ويستفاليا [المعاهدات التي أنهت حرب الثلاثين عاماً في أوروبا عام 1648]. وهذا هو جوهر فكرة الدولة، التي أنشئت لإحلال السلام في أوروبا. الدولة الأفريقية يصل عمرها بالكاد إلى نصف قرن. وعلى عكس دولة ويستفاليا، أُنشئت الدولة الأفريقية لإخضاع المستعمرات الأفريقية. ولسوء الحظ، أنه لم يطرأ تغير يُذكر على هذا الهيكل. لكن الإنسان له الأولوية، وبالتالي فإن الأمن البشري أقدم من الدولة. إنها قديم كخلق الإنسان نفسه. لذلك فإنه أمن من منظور واسع جداً – منظور يتطلع إلى حريات البشر. ADF: قضيت وقتاً كقائد لكلية الدفاع الوطني في كينيا. هل تعتقد أن مؤسسات التعليم العسكري بحاجة إلى التركيز أكثر على تدريب الضباط على الأمن البشري؟ موانيكي: من الناحية المثالية، ينبغي أن يركز الجهد الرئيسي للتدريب العسكري على تأمين الدولة من التهديدات العسكرية الخارجية. لكن التهديدات في جميع البلدان الأفريقية تقريباً هي تهديدات تتعلق بقضايا اجتماعية، وسياسية واقتصادية. هناك الحكم السيئ. وهناك ضعف البنية التحتية. وهناك الحدود التي يسهل اختراقها. وهناك مؤسسات ضعيفة، وفساد مستشري، وفقر. هناك نزعة عرقية سلبية، وعدم تماسك اجتماعي، وبطالة بين الشباب، وكوارث طبيعية. إن الدولة الأفريقية ضعيفة. وتكمن نقطة الضعف الأساسية في بناء الدولة الأفريقية. الأساس هش؛ لبناته من مخلفات الاستعمار والإرث الإمبراطوري. يقوم على سيطرة المستعمر على الدولة والنظام. والمشكلة الآن هي أنه بمجرد أن استلم أجدادنا شؤون الدولة، ورثوا هذا الأساس وبرعوا في صقله. أنظر إلى روبرت موغابي وجميع هؤلاء الرجال. لقد برعوا في القهر. وصاروا أسياداً على شعوبهم أكثر من المستعمرين. لذلك، تضم افريقيا العديد من الدول الضعيفة من منظور هيكلي ومؤسسي. لذلك فإن التهديد الأساسي الفعلي يأتي من ضعف الدولة، والحاجة إلى بناء الدولة، وأزمة المواطنة. لذلك، فإن تهديد الدولة الأفريقية لا يأتي من مصدر خارجي. أوغندا وكينيا لن تذهبا إلى الحرب. ولن تكون هناك حرب بين زيمبابوي وجنوب أفريقيا. فالقمع وانهيار الدولة مشكلة داخلية. ADF: أين هو دور الجيش؟ موانيكي: لم يكن لهذه التهديدات علاقة بالجيش. اذا كانت المشكلة اجتماعية وسياسية، يجب أن تكون الأداة الرئيسية لمعالجة هذه المسألة سياسية. وإذا كان الصراع ناجماً عن سوء الحكم، فإن الطريقة الوحيدة لتصحيحه هي من خلال العملية السياسية. ولو كانت قضية اجتماعية، ينبغي أن تكون الجهود الرئيسية اجتماعية. ولو كانت اقتصادية، يجب أن يكون الجهد الرئيسي اقتصادياً. والجيش يكتفي بتقديم الدعم. الآن، بسبب أعمال العنف، ولكي نخفف من حدة العنف، علينا أن نستعين بقوة أمنية. وتلك القوة ليست عسكرية، وإنما شبه عسكرية. وليس للجيش ولاية تخوله التعامل مع المشاكل الداخلية. وإنما الشرطة هي الجهة التي تملك هذه الولاية. وعند الحديث عن قضايا الإرهاب، وقضايا الحدود التي يسهل اختراقها، وقضايا الجريمة – فهذه القضايا يمكن أن تتعامل معها قوى شبه عسكرية. وفي الواقع، لديهم في النظام الفرنسي قوة شبه عسكرية معروفة باسم قوات الدرك. والدرك هو جندي مكلف بأداء مهمة الشرطي. قبل بضع سنوات سألت جندياً فرنسياً عن رجال الدرك، فقال لي تقريباً، إنهم مثل رجال الشرطة المجهزين على مستوى قوة شبه عسكرية. وبالنسبة لقضايا الأمن الداخلي، أنت عادة، في حاجة الى هيكل قوة قائمة على مستوى التهديد. ففي أفريقيا، أنت في حاجة الى قوة شرطة أكبر من شأنها التعامل مع مشاكل الأمن الداخلي وجيش صغير للغاية للتعامل مع المشاكل العسكرية. لنتذكر، أن القوة العسكرية مكلفة جداً للبناء والاستدامة. وتكلفة تنشئة الجندي أكثر بـ 12 مرة من تكلفة تنشئة رجل شرطة. لأنه، متى كان لديك جندي، عليك أولاً وقبل كل شيء أن تخصص له زعيماً روحياً، رجل دين لرعاية أخلاقه. يجب أن توفر له طاهياً للأمن الغذائي، وخياطاً، وإسكافياً، وطبيباً، وسلاحاً، ودبابة ومدفعية – يجب أن توفر له جنوداً آخرين. وعليك أن تمنحه معاشاً، واستحقاقات التقاعد، وكل هذا. لكن الشرطي ليس لديه حتى ثكنة. لذلك، إذا أجريت مراجعة أمنية استراتيجية، سوف تجد أنك في الواقع لا تحتاج لمثل هذا الجيش الكبير، لا تحتاج لواء في أي من البلدان. نحن بحاجة لتعليم الجنود الشباب فهم كيفية إنشاء الأنظمة التي توفر لنا اللبنات الأساسية للبقاء على قيد الحياة، والكرامة وسبل العيش. يجب أن يفهم الجيش هذه القضايا، ولكن ينبغي أن يتذكر دائماً أنه يدعم الجهود المدنية. ADF: هل تشعر بالقلق إزاء احتمال تغير المناخ والصراع على الموارد المحدودة؟ كيف يؤثر هذا على الأمن البشري؟ موانيكي: موضوع البيئة أمر بالغ الأهمية. كنت أنظر في الإحصائيات في افريقيا كلها. في منطقة الساحل وفي شمال أفريقيا، يدفع التدهور البيئي الناس إلى الهجرة. هم يهاجرون بحثاً عن المراعي لحيواناتهم. ومن حيث الجفاف، يواجه حوالي 11 مليون شخص في منطقة الساحل سوء التغذية. ومن حيث الغذاء، لدينا عجز غذائي في العديد من البلدان الواقعة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى. وهناك قضية عدم انتظام الأمطار، وانخفاض إنتاج الحبوب. لذلك، نعم، قضية البيئة أمر بالغ الأهمية تماماً، وهناك حاجة كبيرة لتحقيق الاستدامة البيئية، وضمان إرساء إدارة مستدامة للبيئة. شارك جيشنا في عمليات إعادة التشجير. زرع الجيش الكيني أكثر من 10 ملايين شجرة؛ كان على كل فوج، وكل كتيبة أن تزرع غابة. لدينا برنامج يسمى “الجندي البيئي”. وهو جزء من العلاقات المدنية- العسكرية. زرع معظم جنودنا حوالي 1000 شجرة لكل منهم. يقومون بإحصاء الأشجار والإبلاغ عنها. وهي مسألة أتطلع إليها دائماً، حيث أذهب إلى الغابة مع القوات بعد ظهر يوم الجمعة أو يوم السبت؛ ولا عيب في هذا . فأنت تترك وراءك شيئاً للأجيال القادمة. ADF: ما هو الدور الذي تعتقد أن الجيش يجب أن يلعبه في حماية الموارد الطبيعية، بما في ذلك المياه الصالحة للشرب؟ وما هو الدور الذي تعتقد أنه ينبغي أن يؤديه في الأمن الغذائي؟ موانيكي: إن مفتاح التغلب على العجز في الغذاء والماء يكمن في تدخل الحكومة لتشجيع استخدام الأساليب الحديثة في الزراعة وزيادة المرونة بين المزارعين. إن المشاركة الفعالة من خلال دعم المواد الغذائية في غير موسمها وإنتاج المحاصيل، والتربة والحفاظ على المياه، ومشاريع إعادة التأهيل، ومكافحة الجراد، ورصد الموارد وتعبئتها هي بعض من التدابير التي لا تزال جارية. في حين انخفض عدد السكان المتضررين من الجفاف والمجاعة بشكل كبير، وهذا مكسب إيجابي، فقد أدى النمو السكاني أيضاً إلى إزالة الغابات الشاسعة لتلبية الطلب على الغذاء والاستيطان. كما تؤدي إزالة الغابات إلى صراع بين البشر والحيوانات. سوف يدعم الجيش هذا التدخل في حفر الآبار، وبناء السدود والبنية التحتية، لا سيما في المناطق الحدودية وتلك المعرضة لانعدام الأمن. عندما كنت قائداً للجيش في كينيا، أنفقت من المال في شراء معدات حفر الآبار، وشراء الجرافات، أكثر مما أنفقته على الأسلحة الثقيلة. أعتقد أننا بنينا 100سد تقريباً، وأكثر من 500 كيلومتر من البنية التحتية في المناطق الفقيرة في الأمن، بالقرب من حدودنا مع السودان وحدودنا مع أوغندا. ولكن هذا التركيز خاطئ؛ ليس صائباً. فوزارة المياه والري، ووزارة الزراعة – هما الوزارتان المسؤولتان أساساً عن القيام بهذه المهام. فليست هذه مهمة الجيش. فالجيش ينبغي أن يركز على الأعمال العسكرية، وحيث يكون هناك حكم رشيد، سوف تتوفر الاحتياجات المائية. ADF: عندما ينظر الناس إلى التوجهات الديموغرافية في أفريقيا، يشيرون إلى ما يسمونه انتفاخ الشباب. أفريقيا هي أصغر قارات العالم سناً، مع وجود 200 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاماً. ما هو مجهول هو ما إذا كان هذا سيكون نعمة ديموغرافية أم نقمة. كيف تنظرون إلى التركيبة السكانية في افريقيا من منظور أمني؟ موانيكي: من منظور اجتماعي، نسمي هذا في أفريقيا عصر المحارب. لأنه في هذا العصر اعتدنا على حماية مجتمعاتنا. في الواقع، عندما تنظر إلى التوزيع الديموغرافي، وإذا نظرت الى منطقة الساحل والقرن الأفريقي وجنوب أفريقيا، تجد أن أعمار السكان من صفر إلى 13 سنة يمثلون حوالي 42 إلى 44 بالمائة، وهذا يتوقف على الطريقة التي تنظر بها. ويمثل الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و 24 سنة حوالي 20 بالمائة، أي ما يقرب من 250 مليون نسمة في المجموع. وهو رقم آخذ في الازدياد. عندما يكون 22 بالمائة من القوى العاملة عاطلين، وإذا نظرت الى ذلك على طول مراحل التعليم، فإن 67 بالمائة في المتوسط من العاطلين عن العمل حصلوا على تعليم ابتدائي في حين بلغ 12 بالمائة مرحلة التعليم الثانوي. من هذا المنطلق يمكن القول إن الزيادة الحاشدة في معدلات البطالة تحرم أفريقيا فرصة استخدام سكانها الذين يتزايد عددهم استخداماً منتجاً. كما تحرم الاقتصاد من العائد الديموغرافي من السكان الشباب. لذلك، فإنه يشكل تهديداً للأمن القومي ودافعاً للاضطراب الاجتماعي والانهيار. إن مفتاح التغلب على ذلك، في رأيي، هو توفير مناخ أعمال موات لشركات القطاع الخاص لتزدهر وتوفر فرص العمل. أي تعود إلى الحكم الرشيد. لقد أصبح الحكم أمراً بالغ الأهمية. لا بد لنا من توجيه المزيد من الموارد نحو تطوير رأس المال البشري لزيادة الإنتاجية. فالإنتاجية البشرية هي المحرك على المدى الطويل، والمكون الرئيسي لها هو التعليم الجيد الذي يتوازى مع حركة الأسواق. عندما تنظر إلى الأمن البشري، عليك أن تتذكر شيئاً. الفرق بين رجل وسحلية هو أن الرجل لديه عقل قادر على خلق فكرة. يستطيع أن يخلق فكرة لابتكار هاتف حتى أستطيع أن أتحدث إليك الآن. كل إنسان فريد من نوعه، وهذا هو السبب في أنني قلت إن الأمن يتعلق بخلق الظروف التي تسمح للبشر بالسعي إلى الأهداف التي يعتزون بها. يجب أن تُعطى لطفل في منطقة الساحل وطفل في كينيا الفرصة لاستغلال ذلك الحق الذي وهبه الله. الحق الأول هو تأمين حرية التعبير عن الفكرة. والثاني هو الأمن الغذائي، ذلك لأن الإنسان الجائع لا يمكن أن يسعى إلى تحقيق أهدافه. وبعد الأمن الغذائي يأتي الأمن الصحي. وحالما تنتهي من تلبية احتياجات الإنسان، يمكنك الذهاب إلى البيئة التي توفر الغذاء، والصحة وكل شيء آخر. وهذا هو السبب في أن الأمن البشري الآن له الأولوية في بلداننا.