فيسبوك تويتر لينكدإن بينتيريست البريد الإلكتروني تستغل الجماعة المتطرفة بمهارة الإنترنت وأدوات شبكة التواصل الاجتماعي لجذب الناس الذين يعيشون على هامش المجتمع. يحدث هذا تقريباً في جميع أنحاء العالم: مراهقون يكذبون على آبائهم، يدخرون أموالاً سراً، يحصلون على جوازات سفر ويتسللون في ظلام الليل للانضمام إلى جماعة متطرفة. غادر نحو 20000 من المقاتلين الأجانب ديارهم للانضمام إلى داعش. بصرف النظر عن البلد الذي ينتمون إليه، هناك بعض الأنماط لعمليات التجنيد هذه: عن طريق الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، تم تجنيد الشباب الذي يُطلق عليهم أحياناً اسم “متطرفو غرف النوم”، عن طريق متعصبي داعش المهرة البارعين في التكنولوجيا. وكثيراً ما يجهل المجندون ماذا يستطيعون أن يفعلوه لداعش بالضبط. يقول بعضهم إنهم يريدون الخدمة بطريقة حميدة، مثل إيصال الأغذية والإمدادات. ويتصور البعض الآخر أنفسهم في دور قتالي غامض، رغم أن الكثير منهم لم يمسكوا بندقية في حياتهم. ويبحث كثيرون عن المغامرة. هناك قناعة عامة واحدة تقريباً: يريدون “مساعدة المسلمين”. هؤلاء الشباب المجندون بارعون في الكذب ويعيشون حياة مزدوجة. يخفون آراءهم المتطرفة عن عائلاتهم مثلما يخفون نشاطهم على شبكة الإنترنت. وإذا ما تفاعلوا مع المتطرفين في مجتمعاتهم، فإنهم يتسترون تحت عباءة مستحدثة من التقوى. بدأ الكثير من المجندين يعتقدون أنه بالنظر إلى إعلان داعش نفسها خلافة إسلامية، فإنه فريضة على كل المسلمين القادرين بدنياً أن يجندوا أنفسهم للقضية. يتحدث المجندون عن المدينة الفاضلة التي يحظى فيها جميع المسلمين الأتقياء بالحماية. ويتبنى المجندون الصغار عادة فلسفة التكفير، التي تقتضي قطع جميع الروابط مع الكفار، بمن فيهم الآباء. يعتقد بعض المجندين، لا سيما أولئك القادمين من دول غربية، يتعرضون للتمييز، وأن المسيحيين بالذات لا يثقون بهم. ويقولون إنهم أصبحوا في بلدانهم الأصلية يخافون الحديث عن معتقداتهم أو حتى الذهاب إلى الأماكن العامة وهم يرتدون ملابس تفصح عن ديانتهم. ويستخدمون كلمة “الشر” مراراً وتكراراً في الإشارة إلى الكفار – في دلالة على أنهم دُربوا على الإنترنت على أيدي فريق تجنيد يقرأ من نص معد سلفاً. قال رشاد علي، الزميل في معهد الحوار الاستراتيجي الذي يعمل على إصلاح الشباب الذين تطرفوا في المملكة المتحدة، “إنهم يستشهدون بالآيات التي تقول إنه يتعين عليك ألا تعيش مع الكفار، ويقتبسون تعاليم دينية حول ضرورة الهجرة إلى أرض إسلامية، ويصفون أياً من الحكام الذين لا يطبقون أحكام الشريعة بأنهم كفار ولا يمكنك العيش تحت سلطتهم. ويقولون إن داعش هي الوحيدة التي تطبق الشريعة، وبالتالي لا يمكنك العيش إلا في ظل سلطتها السياسية”. جثث مغطاة على الشاطئ في سوسة، بتونس. قتل متطرف مرتبطبداعش 38 شخصاً في حزيران/ يونيو 2015. إن ميل داعش إلى العنف الذي لا يكاد يوصف – قطع الرؤوس، وحرق الناس أحياء – مقنع إلى حد غريب بالنسبة لصغار المجندين. وتتميز فيديوهات داعش بقيمة انتاجية عالية وغير عادية، وتُصور على غرار الدعايات القصيرة للأفلام من حيث استخدام المؤثرات والتوقيت. ورسالة الفيديوهات العنيفة واضحة: كل خصوم داعش، بمن فيهم الإخوة المسلمون، كفرة ويجب معاقبتهم بأي وكل وسيلة ممكنة. وكثيراً ما يحاول المجندون الجدد الغيورون إغراء إخوتهم وحمل آبائهم على اعتناق معتقداتهم على الأقل. وإذا ما قُتل مجند ما، كثيراً ما يحاول القائمون على التجنيد تجنيد أفراد عائلته (أو عائلتها) الآخرين. كيف تفعلها داعش ليست داعش أول جماعة متطرفة تجند أتباعاً على الإنترنت. فقد بثت القاعدة على الإنترنت فيديوهات تصور رجالاً غاضبين بلحاهم الطويلة وهم يقفون أمام راية سوداء. وبثت القاعدة أيضاً خطباً طويلة ومملة. غير أن داعش تنتج فيديوهات قصيرة، وقوية وعالية الطاقة. كما تستخدم تويتر، وفيسبوك وواتساب، وهي تطبيق للرسائل النصية، للوصول إلى المجندين المحتملين. تتفق السلطات على أن داعش أكثر تقدماً بكثير من خصومها في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. لا تستطيع مراقبتها بصورة كافية، ولا نستطيع منافستها. قالت مسؤولة في وزارة الخارجية الأمريكية إن وزارتها تطلع على 90000 تغريدة لداعش يومياً. يُعتقد أن القائمين على التجنيد يباشرون عملياتهم من العراق، وسوريا وتركيا. وتستخدم الجماعة في بعض المناطق الخاضعة لسيطرة داعش لافتات ومنشورات توزع على المجندين. حتى لو تم تحديد هوية أولئك القائمين على التجنيد، سيكونون بعيداً عن متناول معظم الجهات الأمنية. وكثيراً ما تفصّل داعش رسالتها لتلائم رغبات واحتياجات مجنديها الصغار المحتملين. لا يريد البعض سوى أن يكونوا قادرين على إرسال صور إلى أصدقائهم وهم يحملون رشاشات الكلاشينكوف. بينما يريد آخرون ممارسة الجنس، وروجت داعش لعقيدتها بشأن السبي، التي تقضي بأن اغتصاب الرقيق ليس خطيئة، مستشهدة في ذلك بالقرآن طالما يصلي الجندي قبل العملية وبعدها. وبمجرد أن تقنع داعش المجندين بأنها السلطة الدينية الوحيدة وأنها وحدها تمثل المسلمين الحقيقيين، فإن المجندين يعتقدون أنه لا خيار أمامهم سوى الامتثال لتعليماتها. قال علي، “سيجادلون ضد أي أحد يمثل وجهة نظر بديلة. إنها حفنة من المنطق لا معنى لها الذي يقول إن’هؤلاء هم الناس الحقيقيون الوحيدون الذين يمكن أن أستمع لهم، ومن ثم، يجب أن أفعل ما يريدون‘”. يشعر المجندون أحياناً بالقلق من وسائل الراحة. وإذا تذمر المجندون من الأحوال المعيشية في ظل داعش، فإنهم يوعدون بالسكن في منازل بإيجار مجاني، بكل ما فيها من وسائل الراحة التي اعتادوا عليها. وتُبلّغ الشابات بأنهن سيحصلن على منتجات الزينة. وفى محاولة لإغراء المراهقات الصغيرات، تستخدم داعش مساراً مختلفاً: يتصل القائم على التجنيد بالفتاة، ويكسب ثقتها على مدى عدة أشهر، ويقنع الفتاة بأن تخفي علاقتهما عن أسرتها. وأخيراً، يحمل الفتاة على التسلل وترك عائلتها والانضمام إليه. تقول بعض السلطات إنه برغم المهارة التي يتحلى بها القائمون على التجنيد لحساب داعش، فإنهم يقتاتون على جمهور سهل نسبياً. ويؤكد المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي أنه “لا يوجد دليل يُذكر يدعم حجة أن الإنترنت تلعب دوراً مهيمناً في عملية التطرف”. بعبارة أخرى، فإن الشباب كانوا بالفعل متعاطفين مع داعش؛ وكان كل ما يحتاجونه بعض التشجيع على الإنترنت. عوامل التنفير إن الكثير من الشباب الذين ينضمون إلى داعش وغيرها من الجماعات المتطرفة يعبرون عن شعورهم بالعزلة عن أسرهم ومجتمعاتهم. يقول إيان روبرتسون، مؤلف الأثر الفائز: كيف تؤثر القوة على عقلك، هناك سبعة عوامل لنفور الشباب ربما تكون فريدة من نوعها في هذا القرن: الشعور بالانتماء: يعرّف الناس أنفسهم بأنهم جزء من جماعات متعددة، مثل الجنسية أو الديانة. هذه الهويات المشتركة تخفف من حدة الكراهية بين الجماعات. قال ربرتسون إنه حينما يقضي الشباب جميع أوقات فراغهم في التحديق في شاشة الكمبيوتر، فإنهم يميلون إلى العزلة ويفقدون الاحساس بالانتماء إلى مجتمعهم. هم ونحن: كلما شعرت بالقوة لكونك عضواً في جماعة ثقافية، كلما قل شعورك بالارتباط بالناس خارج تلك الجماعة. وقد عززت داعش عقلية أن “العالم يلاحقنا” بين المتحولين لديها. تكنولوجيات التسويق بالجملة: يستغل مستخدمو أساليب الدعاية مثل داعش أحدث وسائل التسويق الرقمي للتلاعب بعواطف الشباب والشابات بهويات متصارعة. الرفاق الجاهزون: كان الناس قبل نظم الاتصالات الحديثة يتواصلون وجهاً لوجه لتشكيل روابط والتوحد في قضية مشتركة. واليوم، يمكنك أن تقابل الأشخاص الذين يشاطرون آراءك المحددة على الإنترنت بسهولة. قال روبرتسون، “إن مجموعات الرفاق هي الأعظم تأثيراً على ما يفعله المراهقون ويفكرون فيه. ويمكن أن تثبتهم وسائل التواصل الاجتماعي في خلايا متجانسة لا يسع أي وجهة نظر مخالفة في العالم أن تخترقهم”. إخفاء الهوية على الإنترنت: إن كونك مقنعاً وبلا اسم على الإنترنت يجعل الناس يفعلون أشياء خارجة على طباعهم، مثل التعبير عن الكراهية. وهذا يثير ظاهرة تسمى “التنافر المعرفي”، التي يحاول فيها العقل إيجاد تناسق بين ما يجري التعبير عنه وبين ما هو معتقد في الواقع. بعبارة أخرى، تبدأ في تصديق الأشياء التي تقولها. التمرد: يتمرد المراهقون كوسيلة لمحاولة خلق هويات لأنفسهم. والمراهقون المسلمون محرومون من منافذ التمرد المعتادة – المخدرات، الخمر، الجنس – لذلك يتطلعون لأشكال “آمنة” أكثر قبولاً من الناحية الثقافية، مثل بريق داعش. يقول وليام مكانت، مؤلف قيامة داعش، إن الجماعة لديها جاذبية مضادة للثقافة مشابهة لنجوم الروك في العقود السابقة. وأضاف، “إذا كنت ستتمرد ضد والديك ومجتمعك، ماذا يمكن أن يكون أكثر تمرداً من هذا؟”. العنف الإباحي: إن التوزيع الواسع النطاق لفيديوهات كتلك التي يقطع فيها جنود داعش رؤوس ضحاياهم مصممة لدغدغة وتغييب وعي العقول الصغيرة في آن واحد. يقول روبرتسون، “إن عقل المراهق الذي لم يكتمل نموه بعد يشعر بحساسية خاصة تجاه آثار مثل هذه الصور”. يتفق الباحثون في الرأي على ضرورة الاستعانة بالإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في الحد من إغراء جماعات مثل داعش. لكن يجب أن تكون التدابير الرقمية الفعالة المضادة على نفس القدر من البراعة والصقل الذي تنتج به الجماعات المتطرفة فيديوهاتها وتبثها على موقعها على شبكة الإنترنت. وإلا، فإن التدابير المضادة ستعتبر شيئاً آخر يستدعي التمرد ضده. قال روبرتسون إنه يجب إعطاء المراهقين إحساساً بالوطنية، مثل التفاخر بكونهم تونسيين أو جزائريين، إضافة إلى التباهي بتراثهم الإسلامي. ويجب أن يكون الإحساس بالعزة الوطنية حقيقياً، يشعر فيه المراهقون والشباب بأنهم يحظون باحترام بني وطنهم. فالحملات الكلامية المعادية للمسلمين يستفيد منها المتطرفون استفادة مباشرة. وقف التجنيد قالت هميرا خان، المديرة التنفيذية لمؤسسة مافليهون للأبحاث التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، إن التعامل مع مجندي داعش عملية من أربع خطوات. وقالت في مقالة لها في مجلة فورين أفييرز، إن الخطوات الأربع هي: منع التطرف. التدخل لصالح الأفراد الذين تحولوا إلى التطرف. اعتراض أو العثور على الأفراد المتورطين في سلوك إجرامي ومقاضاتهم. إعادة دمج المجرمين السجناء، الذين قضوا مدة عقوبتهم أو العائدين من مناطق الصراع في المجتمع. وأضافت، “أنه في الكثير من الدول، يركز الممارسون على تقوية المجتمعات المحلية من أجل الحد من تعرضها للتطرف. ولكن هناك عدد قليل جداً من الدول التي لديها برامج تتناول جميع الجوانب الأربعة – لاسيما التدخل وإعادة الدمج. ونتيجة لهذه الفجوة، فإن الأفراد الذين بدأوا يتطرفون لا يردون على أعقابهم، وأولئك الذين تصرفوا بعنف لا يعاد تأهيلهم”. لا يوجد نقص في الأفكار لإيقاف عمليات التجنيد. فقد سنت بعض الدول قوانين جديدة بشأن المراقبة الإلكترونية، تسمح برصد الاتصالات الخاصة التي تدعم الإرهاب. قال المستشار دانييل كولر، المتخصص في التخلص من التطرف، إن هناك نوعين من الأشخاص البارعين في التعامل مع المتطرفين الشباب: أمهاتهم والمتطرفون السابقون. ولكن من الصعب العثور على المتطرفين السابقين، وحتى لو توفروا قد يصبح الوقت متأخراً جداً. وللأمهات أهمية خاصة بالنسبة للشباب المسلمين المتطرفين، الذين كثيراً ما يحتاجون لموافقتهن على ما يبدو، أو ليطلبوا منهن نوعاً من المغفرة، قبل مغادرتهم للانضمام إلى داعش. وقال كولر إن من المألوف بالنسبة لمتطرف شاب أن يحاول مرة أخيرة تحويل معتقدات أمه قبل أن يتوجه إلى داعش حتى يتسنى لهما اللقاء في الآخرة. شرعت منظمة تسمي “نساء بلا حدود”في إقامة “مدارس الأمهات” في البلدان المتضررة من التطرف الإسلامي لتعليم النساء كيفية الحفاظ على أطفالهن من التحول إلى التطرف. وعندما اختطفت جماعة بوكو حرام مئات الفتيات الصغار في شمالي نيجيريا في نيسان/ إبريل 2014، عملت الشرطة كحراس لمسيرة احتجاجية نظمها الفرع المحلي للمنظمة. قال منظم الفرع النيجيري، “إن الجمع بين الشرطة النيجيرية والنساء في مكان واحد أمر غير مسبوق”. وفى كينيا، نظمت النساء المرتبطات بالمنظمة نفسها بعد أن هاجم متطرفو حركة الشباب مركز وستغيت للتسوق في نيروبي عام 2013. يصارع الخبراء من أجل إيجاد سبل لمنع الشباب من الانضمام إلى المتطرفين. فمن الصعوبة بمكان حمل الحكومات في معظم البلدان حول العالم، على التدخل، حتى عندما تقدم الأسر بلاغات عن تجنيد أبنائها. فالسفر إلى سوريا ليس غير قانوني في معظم الدول. وحتى حينما تكون السلطات على علم بمجند جديد، فإن الحدود المفتوحة للاتحاد الأوروبي تجعل من السهل نسبياً قيادة السيارة إلى تركيا عبر بلغاريا. ومع ذلك، هناك خطوات يمكن أن تتخذها الحكومات. فالشباب الذين انشقوا عن داعش يمثلون مورداً قيّماً، وغالباً ما يكون لديهم روايات فريدة حول كيفية تجنيدهم والأسباب التي دفعتهم إلى اختيار الهروب. يجب على السلطات أن تجري مقابلة مع كل منشق عن داعش بتفصيل كبير. وإذا أمكن، يجب استخدام المنشقين عن داعش في حملات دعائية مضادة لداعش وفى إعلانات الخدمة العامة. أفادت صحيفة واشنطن بوست بأن بعض المدن الأوروبية تعرض حالياً حلقة تدريبية لضباط الشرطة، والمعلمين، والعاملين في مجال الصحة، والإخصائيين الاجتماعيين، ومسؤولي الإسكان وقادة المجتمعات المحلية حول كيفية التعرف على علامات التطرف. ولكن هذه هي نقطة البداية فقط. وبمجرد تحديد المتطرفين الشباب المحتملين، يجب أن تكون هناك آلية تسمح بالتحرك دون حبسهم، إلا في الظروف غير العادية. ويجب أن تكون التوجيهات، والاستشارات والمراقبة جزءاً من هذه الآلية. كتب الباحثان لورينزو فيدينو وسيموس هيوز للواشنطن بوست، “إنه يُنظر للشباب الذين يمرون بعملية التطرف كأفراد ضعفاء يؤذون أنفسهم ويحتاجون للمساعدة في نهاية الأمر. فالتطرف يُعرض كمشكلة مثله مثل التجنيد في العصابات أو المخدرات. ومثلما يفعلون إذا اكتشفوا أن الشباب يقعون فريسة مثل هذه العلل الاجتماعية، تقع على قادة المجتمع مسؤولية الإبلاغ عن حالات التطرف”.